علوم وتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يهدد قلب الديمقراطية البريطانية: هل تنهار الطبقة الوسطى؟

من تقليص الوظائف إلى تآكل الثقة بالنظام السياسي… بريطانيا على أعتاب ثورة صامتة تقودها الخسائر البيضاء.

في أحد الاجتماعات الأخيرة لحكومة بريطانيا، عرض وزير العلوم والتكنولوجيا، بيتر كايل، مشهدًا يُجسد التحوّل الزلزالي القادم: شركة خدمات مالية ضخمة تسرّح آلاف الموظفين رغم ارتفاع أرباحها. لم يكن الأمر سوى مقدّمة لتحذير أوسع — الذكاء الاصطناعي قادم ليقلب موازين سوق العمل، وربما الديمقراطية البريطانية نفسها.

طبقة بيضاء الياقات في خطر

 

خلال العرض، أشار كايل إلى أن هذه الموجة لن تكون استثناء، بل نموذجًا لمستقبل ستشهد فيه قطاعات كاملة تحوّلات سريعة نحو التشغيل الآلي. وبينما تُرحب الحكومة بإمكانات الكفاءة والتوفير في الخدمات العامة، إلا أن صُنّاع القرار بدؤوا يدركون عمق التهديد الكامن، لا سيّما على العمالة المكتبية — الفئة التي لطالما شكّلت العمود الفقري للنظام السياسي والاجتماعي.

استراتيجية الحكومة، كما يصفها كبير مستشاري رئيس الوزراء مورغان ماكسويني، تستند جزئيًا إلى رؤى من كتاب “الجمهورية التكنولوجية”، الذي يدعو لربط الذكاء الاصطناعي بالحاجات الوطنية، لا بالمصالح الربحية لشركات التكنولوجيا العملاقة. تشبيه شائع يدور في الأروقة السياسية هذه الأيام: إن تأثير الذكاء الاصطناعي قد يُضاهي الثورة الصناعية، إن لم يتجاوزها.

اقرا ايضا:

السيسي يصدر قرارات جمهورية بتعيين قيادات جديدة بالرئاسة وقناة السويس

ثورة بلا يقين

رغم صعوبة التنبؤ بحجم التأثير، فإن المؤشرات تنذر بالكثير: تراجع بنسبة 33% في الوظائف المخصصة للخريجين الجدد في بريطانيا، وتزايد في نسب القلق من انهيار قطاعات بأكملها. في المقابل، تُركّز الحكومة على الاستفادة من البيانات العامة وتوظيفها في تطوير الصحة والتعليم والدفاع، مع السعي للحفاظ على قيمة الابتكار داخل المملكة المتحدة.

لكن مقارنة التحول الرقمي بالثورة الصناعية تظل جذابة، وإن لم تكن دقيقة تمامًا. تلك الثورة لم تغيّر شكل الاقتصاد فقط، بل أعادت رسم السياسة من جذورها — ظهرت الطبقة العاملة الصناعية، وتوالت الإصلاحات، وصعد حزب العمال على أنقاض الحزب الليبرالي. الأهم من ذلك: نشأت طبقة وسطى واسعة دعمت الاستقرار والديمقراطية الرأسمالية لعقود.

تبدّل أدوار الرابحين والخاسرين

في عصر الذكاء الاصطناعي، يبدو أن التهديد الأكبر يطال موظفي المكاتب لا العمال اليدويين، ما يقلب معادلة الثورات السابقة. ووفقًا للمحلل الانتخابي جيمس كاناغاسوريام، فإن المناطق التي ستتأثر أكثر ليست مدنًا صناعية منكوبة، بل مقاطعات جنوبية ثرية — معاقل الطبقة الوسطى الحضرية التي لطالما دعمت المؤسسات والنظام القائم.

هذا التحول قد ينتج عنه تفاوتات أغنى، تراجع في الوظائف ذات الدخل المرتفع، وانكماش في القاعدة الضريبية. الطلاب قد يُعيدون التفكير في جدوى التعليم الجامعي، إذا أصبحت الشهادات تذكرة إلى وظائف منخفضة الدخل. وقد تنشأ مشاعر جيلية ترى نفسها “خُدعت” — شعور تربة خصبة لأي تمرد سياسي.

هل تنهار الطبقة الوسطى؟

السيناريو الأكثر إثارة للقلق هو احتمال تفريغ الطبقة الوسطى من الداخل — الفئة التي منحت الديمقراطية البريطانية توازنها لعقود، من خلال إحساسها بالشراكة في الدولة والمجتمع. إذا ما تحوّل هؤلاء إلى “خاسرين”، فإن النظام السياسي بأكمله قد يدخل طورًا من الفوضى. يكفي النظر إلى صعود الشعبويين مؤخرًا: حزب المحافظين فقد بوصلته، “ريفرم يو كي” يتبنى خطابًا اقتصاديا يساريًا، وثقة الناس في الدولة بدأت تتآكل.

اليسار يختار الحماس… لكن بحذر

يدرك حزب العمال أن مقاومة الذكاء الاصطناعي ستبدو كالسذاجة — لذا اختار أن يبدو “متحمسًا” للتكنولوجيا. لكنه مضطر أيضًا لطرح إجابات عن أسئلة الحماية، والتحوّل، والعدالة في توزيع الفوائد. فالتحولات القادمة لا تقف عند حدود الوظائف: تحليل البيانات، المراقبة، والتزييف العميق كلها أدوات بدأت تتسلل إلى صميم الديمقراطية. إحدى الدراسات الداخلية لحزب العمال كشفت أن ربع الناخبين استخدموا ChatGPT خلال الانتخابات الأخيرة للحصول على المعلومات!

هل نبالغ في القلق؟ أم نتأخر في الاستعداد؟

من الممكن أن يكون الهلع سابقًا لأوانه، وأن الذكاء الاصطناعي يُنتج فرصًا جديدة كما يُدمّر القديمة. لكن السؤال المركزي لا يتعلق فقط بالتأثير، بل بالسرعة. فكلما تسارعت التحولات، زادت احتمالات الانهيار السياسي.

وإذا كان التمرد القادم سيخرج من قلب “المؤسسة”، من أولئك الذين اعتادوا الفوز، فإن المشهد السياسي البريطاني قد يشهد ثورة هادئة… ولكنها جذرية.

اقرا ايضا:

مدبولى: نسبة الحوادث فى مصر ما زالت أعلى من المتوسط العالمى رغم تطوير الطرق

 

الأء ياسين

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى