الاتحاد الاوروبي يرضخ لاجنده ترامب التجارية القائمة على الضغط والابتزاز
الاتحاد الأوروبي يرضخ لابتزاز ترامب التجاري: صفقة أم انكسار؟

في اتفاق مثير للجدل، صادق الاتحاد الأوروبي على نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائم على فرض الصفقات التجارية من موقع القوة، ما يرسخ تحوّلًا جذريًا في قواعد التجارة العالمية من نظام قائم على التفاوض والتعددية إلى آخر تقوده التهديدات والصفقات أحادية الجانب.
ففي يوم الأحد، أعلن ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن اتفاق يفرض بموجبه الجانب الأميركي رسومًا جمركية بنسبة 15% على معظم وارداته من الاتحاد الأوروبي، بما يشمل السيارات والأدوية وأشباه الموصلات. وفي المقابل، لم تُفرض رسوم إضافية على الصادرات الأميركية إلى أوروبا، بينما التزمت بروكسل بإنفاق مئات المليارات من الدولارات على شراء الطاقة الأميركية والأسلحة، وهو ما اعتُبر إلى حد بعيد “السيناريو الحُلمي” من وجهة نظر ترامب.
مكاسب شكلية وخسائر استراتيجية
ما حصل عليه الاتحاد الأوروبي في المقابل لا يتجاوز تجنّب رسوم أعلى كانت مهددة بأن تصل إلى 30%، وتخفيفًا طفيفًا في حالة الضبابية التجارية التي ألقت بظلالها على العلاقات الثنائية. ورغم التوصل إلى اتفاق “صفر مقابل صفر” على رسوم جمركية بقيمة 70 مليار يورو من التبادل التجاري، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لتعويض الثغرات الاستراتيجية التي قبل بها الاتحاد.
إضافة إلى ذلك، فشل الاتحاد الأوروبي في تنسيق موقف موحد بين أعضائه الـ27، ما انعكس ارتباكًا في المفاوضات وعدم وضوح في تفاصيل الاتفاق. على سبيل المثال، لا تزال فرنسا تطالب بتوضيحات بشأن ما إذا كانت صادراتها من النبيذ والمشروبات الروحية ستُعفى من الرسوم الجديدة، فيما أكد المسؤولون الأميركيون أن أي استثناءات من هذا النوع غير مطروحة.
ترامب يكرر أسلوبه: التهديد أولًا، ثم الصفقة
الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليس حالة استثنائية. فقد سبق أن فرض ترامب الأسلوب نفسه على المملكة المتحدة واليابان وإندونيسيا والفلبين وفيتنام. تكتيكه المفضل معروف: يبدأ بتهديدات مبالغ فيها لإثارة الفزع، ثم يمنح نافذة قصيرة للتفاوض، وأخيرًا يبرم صفقة تقلّص التهديد الأولي لكنها تخدم أجندته السياسية والاقتصادية.
وبالفعل، أكثر من 60% من الواردات الأميركية التي كانت مهددة برسوم “متبادلة” أصبحت مشمولة الآن باتفاقات ثنائية على غرار هذا الاتفاق، فيما ترتفع معدلات الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها منذ تسعين عامًا.
تبعات على النظام التجاري العالمي
بموجب هذه الاتفاقات، لم يحقق ترامب فقط مكاسب سياسية داخلية، بل أحدث أيضًا تحوّلًا جوهريًا في النظام التجاري العالمي. فبدلًا من الالتزام بمبدأ “الدولة الأكثر رعاية” والمساواة بين الشركاء، فرض نظامًا مرنًا يخضع لمزاجه السياسي، ويُبقي جميع الاتفاقات مفتوحة للتعديل أو التهديد بإلغائها.
وبينما يقول البعض إن ما جرى هو براغماتية سياسية، فإن استجابة الاتحاد الأوروبي بدت أشبه بالانحناء أمام الضغط، لا بالدفاع عن مبادئ التجارة الحرة. وبهذا، يكون أكبر تكتل تجاري في العالم قد تخلى عن دوره القيادي، ومنح ترامب الضوء الأخضر لفرض نظام عالمي جديد تسوده الصفقات الفردية وغياب الثقة.
في النهاية، قد تكون أوروبا قد تجنبت الأسوأ في هذه الجولة، لكنها دفعت ثمنًا باهظًا: تآكل نفوذها التجاري، وتكريس نهج ترامب كأمر واقع.