نيويورك تايمز: ملف الهجرة يشق صفوف الديمقراطيين ويقلب موازين السياسة الأمريكية
انقسام الديمقراطيين حول الهجرة يمنح الجمهوريين تفوقًا انتخابيًا غير مسبوق

بينما تشهد الولايات المتحدة تصاعدًا غير مسبوق في الجدل السياسي حول الهجرة والحدود، يجد الحزب الديمقراطي نفسه في موقف دفاعي، يعاني من خسائر انتخابية متكررة، وانقسامات داخلية بشأن كيفية التعامل مع أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الأمريكية. تقرير موسّع لـ”نيويورك تايمز” يرصد جذور الأزمة داخل الحزب، وارتباكه في مواجهة الموجة الشعبوية المتزايدة بقيادة دونالد ترامب، وما إذا كان بإمكان الديمقراطيين صياغة رؤية بديلة تحظى بثقة الناخبين الأمريكيين.
مناظرة 2019: لحظة ندم سياسية لا تُنسى
في يونيو 2019، خلال مناظرة رئاسية أولية للحزب الديمقراطي، رفع تسعة من أصل عشرة مرشحين أيديهم دعمًا لفكرة إلغاء تجريم عبور الحدود بشكل غير قانوني. بعد ست سنوات، لا يزال هذا المشهد يلاحق الحزب، بوصفه لحظة فاصلة جسدت انحرافًا حادًا نحو اليسار في ملف الهجرة، بينما كانت البلاد تميل باتجاه معاكس.
تحول الرأي العام الأمريكي
في عام 2024، أظهر استطلاع “غالوب” أن 55% من الأمريكيين يؤيدون تقليص معدلات الهجرة، وهو ضعف النسبة التي سُجلت في عام 2020. اللافت أن هذا التوجه لم يقتصر على الناخبين البيض، بل شمل أيضًا قطاعات من اللاتينيين من الطبقة العاملة، ما زاد من قلق الديمقراطيين الذين كانوا يعولون على دعمهم.

خسائر انتخابية على الأرض
قال النائب الديمقراطي فيسنتي غونزاليس إن فوز ترامب في كل مقاطعات دائرته ذات الأغلبية اللاتينية على الحدود مع المكسيك “يجب أن يكون جرس إنذار للحزب”. منطقة ديمقراطية تاريخيًا باتت تصوّت للجمهوريين، تعبيرًا عن الغضب من فوضى الحدود.

انقسام داخل الحزب حول طريق التصحيح
رغم وجود إجماع داخل الحزب على أن هناك أزمة في ملف الهجرة، إلا أن الحلول المقترحة متباينة. مركز التقدم الأمريكي، الذراع الفكري للديمقراطيين، دعا إلى توسيع الهجرة الشرعية مع تبني ضوابط أكثر صرامة على اللجوء، في تحول نحو مواقف طالما تبناها المحافظون. في المقابل، ترفض شخصيات تقدمية مثل النائبة آيانا بريسلي هذا التوجه، معتبرة أن الملف يُستغل لتكريس العنصرية وتخويف الناخبين.

ترامب يستغل الانقسام لصالحه
الحقبة الترامبية شهدت إجراءات قمعية غير مسبوقة بحق المهاجرين، بدءًا من فصل الأطفال عن ذويهم إلى مداهمات المحاكم وأماكن العمل. ورغم الانتهاكات، نجح ترامب في تحويل الملف إلى محور رئيسي لحملاته الانتخابية، مدعيًا أن الديمقراطيين يريدون “إلغاء الحدود الأمريكية”.

خيارات بايدن المرتبكة
بعد توليه الرئاسة، سعى جو بايدن لتخفيف سياسات ترامب، لكن تزايد العبور غير النظامي عند الحدود أدى إلى أزمة إنسانية وإعلامية. مع تفاقم الضغوط، أصدر بايدن أمرًا تنفيذيًا في يونيو 2025 يمنع طلب اللجوء عند ارتفاع معدلات العبور، في أقسى إجراء يتخذه رئيس ديمقراطي بهذا الصدد. ورغم أن المعابر غير القانونية تراجعت، إلا أن الضرر السياسي كان قد وقع بالفعل.

انفجار الغضب في المدن الديمقراطية
في ظل استمرار وصول المهاجرين بالحافلات إلى مدن مثل نيويورك وشيكاغو، واجه رؤساء البلديات الديمقراطيون عجزًا في الموارد، وموجات غضب شعبي من السكان الأصليين. لوري لايتفوت، عمدة شيكاغو السابقة، كشفت عن شكاوى متزايدة من المواطنين السود والمكسيكيين القدامى بشأن تفضيل الوافدين الجدد، ما أدى إلى تآكل الدعم التقليدي للحزب.

الجمهوريون يقودون المشهد التشريعي
رغم محاولات الديمقراطيين تمرير مشروع قانون ثنائي يوازن بين تشديد الدخول ومنح تصاريح عمل، تدخل ترامب لإفشاله، حفاظًا على ورقة الهجرة كورقة ضغط انتخابية. وبالفعل، تحولت الانتخابات الخاصة في نيويورك إلى اختبار مفصلي، حيث فاز الديمقراطي توم سوزي بعد تبنيه خطابًا متشددًا شبيهًا بالجمهوريين، داعيًا إلى غلق مؤقت للحدود وترحيل المهاجرين المعتدين على الشرطة.
اقرأ أيضاً مقارنة الكرملين بين أذربيجان وأوكرانيا تكشف هواجسه من فقدان السيطرة
دروس الماضي ومآلات المستقبل
يرى مراقبون أن على الديمقراطيين استخلاص العبر من تجربتهم السابقة، إذ لم يشفع توازن أوباما بين الترحيل والتقنين في تمرير إصلاحات حقيقية. فشل الحزب في صياغة خطاب واضح ومتزن تجاه الهجرة سمح للجمهوريين باحتكار السردية. الآن، ومع تفوق الجمهوريين بفارق يصل إلى 41 نقطة في استطلاعات الثقة بملف الهجرة، تتصاعد الدعوات داخل الحزب إلى إعادة بناء الرؤية وتقديم بديل عملي وعادل، قبل أن يفقد الديمقراطيون قدرتهم على التأثير في هذا الملف المصيري.