الصحة والتعليم

هل تشعر بأن الحياة البريطانية لا تُنصف خريجي المدارس الحكومية؟ مرحبًا بك في نادي الـ93%

هل تشعر بأن الحياة البريطانية لا تُنصف خريجي المدارس الحكومية؟ مرحبًا بك في نادي الـ93%

للمرة الأولى في تاريخ بريطانيا، يتكوَّن مجلس الوزراء بالكامل من خريجي المدارس الحكومية، بعضهم من خلفيات طبقية متواضعة، كأنجيلا راينر نائبة رئيس الوزراء، التي نشأت في فقرٍ يكاد ينتمي إلى حقبة غابرة.

مشهد يدعو للتفاؤل ظاهرياً :ها هي بريطانيا تُثبت أنها دولة meritocracy، حيث العمل الجاد والمثابرة يمكنان أي شخص من بلوغ أعلى المناصب. لكنّ هذا التقدم يخفي حقيقة أكثر تعقيدًا: التعليم الخاص، الذي لا يشمل سوى 7% من البريطانيين، ما زال مفتاح الوصول إلى النخبة وصناعة القرار.

93% من الشعب… لكنهم يُطالبون بالتكيّف مع ثقافة 7%

من هنا وُلد نادي الـ93%، شبكة وطنية تسعى لتمكين خريجي المدارس الحكومية، وتسليط الضوء على التفاوت البنيوي العميق.

أحدث تقارير النادي، “استطلاع المدارس الحكومية الكبرى”، يكشف أن من يُمثّلون الأغلبية الساحقة من البريطانيين لا يزالون يشعرون بأنهم مضطرون للتكيّف مع لغة وثقافة الأقلية ذات الامتيازات، لا العكس.

يُظهر التقرير أن الحديث عن الطبقة الاجتماعية ما زال يُعتبر موضوعًا غير لائق في كثير من الأوساط، رغم أن الطبقة تظل من أبرز المحددات لمن ينجح، ومن يتعثر، ومن يُضطر لتقمص شخصية جديدة كي يُسمح له بالدخول إلى الدوائر المغلقة.

من الجامعة يبدأ الاغتراب الطبقي

تبدأ الصدمة مبكرًا، في المرحلة الجامعية.

أكثر من 70% من طلاب المدارس الحكومية شعروا بصدمة ثقافية عند دخولهم الجامعة، وترتفع النسبة إلى 91% بين أبناء الطبقة العاملة، بينما يرى 94% أن الثقافة الجامعية مصممة لتخدم الأغنياء.

صحيح أن الفروقات قد تبدو “تفاصيل صغيرة” كعدم القدرة على حضور حفلات العشاء الرسمية أو الانضمام إلى الأندية الرياضية، لكنها تُراكِم إحساسًا بأنك “ضيف في مكان ليس لك”، رغم أنك اجتهدت للوصول إليه.

في سوق العمل… الصراع بين الأصل والاندماج

لا يتوقف الاغتراب بعد التخرج. على العكس، يزداد. فـ93% من المهنيين القادمين من خلفيات شعبية يشعرون أن ثقافة العمل تتعارض مع هويتهم الأصلية.

ويبدأ التغيير التدريجي: في اللهجة، الملبس، الهوايات، وحتى العادات الغذائية. ليست تعديلات سطحية، بل استراتيجيات بقاء في بيئات لا تكافئ الكفاءة بقدر ما تكافئ الانسجام الشكلي.

61% من المشاركين قالوا إنهم اضطروا للابتعاد عن مجتمعهم الأصلي لتحقيق التقدّم. ونصفهم تقريبًا أفاد بأن صداقاتهم تبدّلت، وبعضهم فقد جزءًا من علاقته بأسرته. إنها ليست “ترقية اجتماعية” بل مقايضة شخصية.

البنية التحتية للتمييز ما زالت قائمة… ويجب تفكيكها

ما يميز نادي الـ93% أنه لا يكتفي برفض الوضع القائم، ولا يسعى لهدمه فوضويًا، بل يُعيد استخدام أدوات النخبة لصالح الأغلبية،  فمؤسسته صوفي بندر – وهي شابة عمرها 29 عامًا – خاضت بنفسها رحلة الصعود من الفقر إلى حي المال في لندن، دون امتيازات أو علاقات.

هدف النادي هو إنشاء شبكة مهنية وثقافية موازية لتلك التي يتمتع بها خريجو المدارس الخاصة. شبكة تُساعد خريجي المدارس الحكومية على التنقل داخل “مساحات النخبة”، لا فقط من أجل النجاح، بل لتغيير ثقافتها من الداخل.

هل نريد بريطانيا منغلقة أم عادلة حقًا؟

يبقى السؤال: هل نريد مجتمعًا يربط النجاح بمعايير النخبة التقليدية – اللهجة، اللباس، شبكة المعارف؟ أم نطمح لبريطانيا تكرّم الكفاءة، وتحتضن التنوع الفكري والاجتماعي؟

التغيير الرمزي – كوجود وزراء من خلفيات شعبية – مهم، لكنه لا يكفي. ما نحتاجه هو بنية تحتية للمساواة: شبكات دعم، وإرشاد، وفرص حقيقية تعزز الحراك الاجتماعي دون أن تفرض على الإنسان التخلي عن هويته.

التغيير ليس وهمًا. إنما هو نفس النظام الذي استثمرت فيه المدارس الخاصة قرونًا، ويجب الآن توجيهه لصالح الأكثرية.

العدالة الاجتماعية لا تعني أن تدخل إلى الغرفة متقمصًا شخصية أخرى، بل أن تدخل كما أنت… ويُستمع إليك.

يارا حمادة

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى