صحف وتقارير

حزب الخضر البريطاني: فرصة تاريخية لسد الفراغ اليساري بعد انهيار حزب العمال في السياسة البريطانية

بينما تمر الساحة السياسية البريطانية بحالة من السيولة غير المسبوقة، يجد حزب الخضر البريطاني نفسه في موقع قد يؤهله للعب دور محوري طال انتظاره.

ومع دخول الحزب في واحدة من أكثر انتخابات القيادة إثارة في تاريخه، تبدو الفرصة سانحة أمامه لسد الفراغ الذي خلفه تحول حزب العمال نحو الوسط، وتقديم بديل جذري حقيقي للجمهور اليساري الباحث عن هوية سياسية جديدة.

الخضر البريطانيون: ليس صراع يسار ووسط، بل صراع رؤى للقيادة والسياسة

من النظرة الأولى، قد يبدو التنافس داخل حزب الخضر تقليديًا: المرشح زاك بولانسكي، النائب عن لندن ونائب زعيم الحزب الحالي، يجذب بقايا القاعدة المؤيدة لجيريمي كوربن من حزب العمال، ويُنظر إليه كمرشح يساري.

في المقابل، يظهر الثنائي أدريان رامسي (لا قرابة بينه وبين الكاتب) وإيلي تشاونز، كنموذج لـ”الوسطيين البيئيين” القادمين من دوائر ريفية.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذه الصورة الثنائية. فجميع المرشحين يدعمون فرض ضريبة على الثروة، وإعادة تأميم الخدمات، وينددون بالإبادة الإسرائيلية في غزة.

وهي مواقف بعيدة كل البعد عن نهج كير ستارمر، زعيم حزب العمال الحالي. الانقسام الحقيقي داخل الحزب لا يدور حول السياسات، بل حول فلسفة القيادة وكيفية استخدام النفوذ السياسي.

من مؤتمر لانكستر إلى اليوم: جذور الصراع بين “الواقعيين” و”الأصوليين” في حزب الخضر

في مؤتمر الحزب عام 2007 بمدينة لانكستر، انقسمت القواعد إلى تيارين: “الواقعيون” (Realos) الذين أرادوا التحديث والاندماج السياسي، و”الأصوليون” (Fundis) الذين تمسكوا بالهوية الراديكالية للحزب.

كان الجدل آنذاك حول منح الحزب قيادة واضحة بدلًا من نظام المتحدثين المشتركين. الواقعيون ارتدوا البزات الرسمية وأرادوا الصحافة أن تأخذ الحزب بجدية، بينما لجأ الأصوليون لملابس الهيبيز وحتى الجلباب الدرويدي كنوع من التحدي الرمزي.

رغم فوز “الواقعيين” وإقرار منصب الزعيم، إلا أن صلاحياته بقيت محدودة للغاية. فلا يملك الزعيم سلطة فرض السياسات أو تعيين المتحدثين أو توجيه الاستراتيجية، ويخضع لانتخابات كل عامين. هذا الهيكل جعل الانتخابات تركز غالبًا على أسلوب القيادة وليس مضمونها.

دروس من الماضي: كيف فقد حزب الخضر زخماً سياسياً كبيراً في بريطانيا؟

في 2010، تمكنت النائبة كارولين لوكاس من الفوز بأول مقعد للحزب في البرلمان البريطاني، لكن انشغالها بمهامها البرلمانية أبعدها عن تجنيد وتوسيع القواعد. ورغم صعود حركات مناهضة التقشف حينها، لم يحقق الحزب النمو المأمول.

ثم جاءت ناتالي بينيت عام 2012 بخطاب يساري واضح وخطة لزيادة العضوية، وقالت في أول خطاب لها: “لا تسألوا ما الذي يمكن أن تقدمه النقابات لنا، بل ما الذي يمكن أن نقدمه نحن للنقابات”.

وبالفعل تضاعف عدد الأعضاء ثلاث مرات بين 2013 و2015… حتى ظهر جيريمي كوربن في حزب العمال، وهاجرت الآلاف من القواعد إليه.

لكن إرث بينيت استمر، سواء في التمويل أو في الكوادر التي انتُخبت لاحقًا في المجالس المحلية. وبعد انهيار تجربة كوربن، عاد الفراغ ليسود، ومعه فرصة جديدة أمام الخضر لسد الفراغ في اليسار البريطاني.

الفرصة التاريخية أمام حزب الخضر البريطاني: هل يبددها التردد السياسي؟

رغم حصول الحزب على نتائج قياسية في الانتخابات الأخيرة (نحو 11% في استطلاعات نوايا التصويت)، إلا أن التقدم يبدو بطيئًا مقارنة بصعود حزب “ريفورم يو كيه”.

وتعرض أدريان رامسي لانتقادات حادة بعدما تهرب مرارًا من تأكيد موقف الحزب من قضايا الهوية الجندرية، ما أثار غضب الشباب في الحزب. وبدت حملة زميلته المنتهية ولايتها كارلا دينير شاحبة، ما دفع بولانسكي إلى إطلاق حملة نشطة تحت شعار: “نحتاج إلى قيادة جريئة. الآن”.


القيادة البرلمانية أم الحراك الشعبي: استراتيجية حزب الخضر البريطاني

الاختلاف الجوهري اليوم يتمثل في رؤية رامسي وتشاونز للقيادة من داخل البرلمان مقابل طرح بولانسكي الذي يدمج بين الكاريزما القيادية والتنظيم المجتمعي. يخشى البعض أن يتحول بولانسكي إلى “كوربن جديد”، بقاعدة شعبية تحيطه لكنها تثير القلق لدى المخضرمين في الحزب من نموذج “الزعيم المعبود”.

في المقابل، يعتمد رامسي وتشاونز على أسلوب هادئ وتوافقي يتماشى مع تقاليد الحزب، لكنه لا يلائم اللحظة السياسية المتقلبة التي تعيشها بريطانيا اليوم.

زاك بولانسكي: صوت جيل جديد يقود اليسار البريطاني في حزب الخضر

زاك بولانسكي لا يقدّم طرحًا جديدًا كليًا، بل يستكمل رؤية جيل كامل من الشباب الخضر الذين نشطوا في العقدين الأخيرين. رؤية تقول إن على الحزب أن يكون صريحًا بمواقفه الجذرية، وألا يخجل من آرائه لمجرد أنها تغضب الصحف اليمينية، بل أن يقود اليسار البريطاني بنفسه.

وهو نهج أثبت نجاحه في الماضي، خلال الطفرة بين 2013 و2015، ويبدو ضروريًا في وجه المشاريع الجديدة كـ”حركة زارة سلطانة” التي تسعى لحشد قاعدة كوربينية خارج حزب العمال.

تآكل النظام الحزبي البريطاني: فرصة تاريخية لحزب الخضر لملء الفراغ اليساري

الوضع الراهن يكشف انهيار نظام الحزبين التقليديين في بريطانيا. فقد فقد ملايين الناخبين الثقة في حزب العمال والمحافظين، ويتطلعون لبديل تقدمي جريء. خاصة في المدن الكبرى ذات التوجهات اليسارية، التي تبحث عن هوية تمثلها.
وهنا، تظهر قيادة بولانسكي كفرصة حقيقية لحزب الخضر كي يملأ هذا الفراغ السياسي اليساري، ويعيد رسم خريطة القوى في بريطانيا.

  اقرأ أيضاً:

“الجارديان”: استقالة رئيس جامعة فيرجينيا تكشف عن معركة “ترامب” للسيطرة على “العقل الأمريكي”

 

إيمان زريقات

إيمان زريقات صحفية سورية متخصصة في القسم الخارجي وتغطية وكالات الأنباء العالمية، ولها خبرة واسعة في متابعة الأخبار الدولية وتقديم تقارير دقيقة وشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى