الوكالات

المحكمة الأوروبية: روسيا ارتكبت انتهاكات “واسعة وفاضحة” لحقوق الإنسان في أوكرانيا منذ 2014

التقرير يُعد سابقة قانونية ويصف انتهاكات موسكو بأنها تهدف إلى تدمير أسس الديمقراطية في أوروبا

في حكم غير مسبوق، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا بارتكاب “انتهاكات جسيمة ومنهجية” لحقوق الإنسان في أوكرانيا منذ عام 2014 وحتى انسحابها من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2022.

الحكم، الصادر بالإجماع عن الغرفة الكبرى بالمحكمة، يعد لحظة فارقة في الجهود الدولية لتوثيق الانتهاكات المرتكبة أثناء النزاع، ويوجّه اتهامات مباشرة لموسكو تشمل الإعدامات الميدانية، والعنف الجنسي، والعمل القسري، واستهداف المدنيين بشكل ممنهج.

 

خريطة زمنية للفظائع: من دونيتسك إلى الغزو الكامل

وفقًا للحكم، بدأت الانتهاكات بعد دخول القوات المدعومة من موسكو منطقتي دونيتسك ولوهانسك عام 2014، وتصاعدت بشكل كارثي مع الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. وشملت الانتهاكات تعذيب المدنيين وأسرى الحرب، بما في ذلك “إعدامات وهمية، وبتر أطراف، وصدمات كهربائية لأماكن حساسة من الجسد”، في ما وصفته المحكمة بـ”استراتيجية عسكرية للترويع والتحقير وتفكيك الروح المعنوية للشعب الأوكراني”.

 

حكم تاريخي: محكمة تتحدث بلغة الإدانة الشاملة

قالت المحكمة:

“لم تشهد أي قضية سابقة مثل هذا القدر من الإدانة شبه الإجماعية للازدراء الفاضح الذي أبدته الدولة المدعى عليها تجاه أسس النظام القانوني الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية”.

ورأت المحكمة أن “سلوك روسيا لم يكن فقط غير قانوني بشكل واضح، بل ارتُكب على نطاق واسع ومنهجي بهدف تدمير الحريات الفردية، وكبت الحريات السياسية، وخرق حكم القانون”.

قائمة الانتهاكات التي وثّقتها المحكمة:

  1. هجمات عسكرية عشوائية استهدفت المدنيين دون تمييز.
  2. إعدامات فورية لمدنيين وعناصر من القوات الأوكرانية.
  3. تعذيب جسدي ونفسي، بما في ذلك الاغتصاب كسلاح حرب.
  4. الاحتجاز القسري لمدنيين بدون مبرر قانوني.
  5. التهجير القسري ونقل السكان دون موافقتهم.
  6. قمع الحريات الدينية باستثناء الكنيسة الأرثوذكسية الموالية لموسكو.
  7. ملاحقة الصحفيين وتقييد حرية التعبير بدعم من قوانين جديدة.
  8. قمع الاحتجاجات السلمية في المدن المحتلة بالقوة.
  9. نهب الممتلكات وتدميرها والاستيلاء عليها.
  10. قمع اللغة الأوكرانية في المدارس وفرض مناهج تعليمية موالية لروسيا.
  11. نقل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا وتبنيهم هناك.

 

العنف الجنسي: أداة للإذلال وكسر الكرامة

ركزت المحكمة بشكل خاص على “الوحشية المتعمدة” للعنف الجنسي، مشيرة إلى أن الاغتصاب لم يكن عَرَضًا جانبيًا للصراع، بل “جزءًا من استراتيجية عسكرية متعمدة لإذلال السكان وفرض الهيمنة على الأرض والسيادة”.

 

وشدد القضاة على أن الانتهاكات لم تقتصر على النساء والفتيات، بل شملت أيضًا الرجال المعتقلين الذين تعرّضوا لصنوف مهينة من العنف الجنسي بهدف “تحطيم رجولتهم وتدمير شعورهم بالكرامة والهوية”.

 

موقف موسكو: الإنكار والتجاهل

لم تشارك روسيا في الإجراءات القضائية، وسبق أن أعلنت أنها لن تعترف بأي حكم صادر عن المحكمة الأوروبية، ولن تلتزم بدفع أي تعويضات محتملة. ورغم ذلك، تدخلت 26 دولة موقّعة على الاتفاقية الأوروبية كـ”طرف ثالث” دعمًا لأوكرانيا، في خطوة تعكس الإجماع الدولي على خطورة الانتهاكات الروسية.

 

إسقاط الطائرة MH17: جريمة حرب موثقة

كما شمل الحكم تحميل روسيا المسؤولية عن إسقاط الطائرة الماليزية MH17 في يوليو 2014، والذي أسفر عن مقتل 298 مدنيًا. وجاء في القرار أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة تم نقله من روسيا إلى شرق أوكرانيا، وهو ما يُعد خرقًا صريحًا للاتفاقية الأوروبية.

اقرأ أيضاً مقارنة الكرملين بين أذربيجان وأوكرانيا تكشف هواجسه من فقدان السيطرة

تداعيات الحكم: ما الذي يعنيه هذا فعليًا؟

رغم أن المحكمة لا تملك آلية تنفيذية مباشرة لفرض الحكم على روسيا، إلا أن القرار يشكّل وثيقة قانونية محورية ستُستخدم لاحقًا في المساعي الدولية لمحاكمة المسؤولين الروس، سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم خاصة تُبحث إنشاؤها في الغرب.

كذلك، يُشكل هذا الحكم أرضية قوية لتعويض الضحايا، في حال توفرت الظروف السياسية والمالية في المستقبل لمطالبة موسكو بدفع ثمن ما ارتكبته.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى