عرب وعالم

يوم تالي منقوص : المرحلة الأولى ليست وقفًا تامًا لوقف إطلاق النار .

 

ساعات حاسمة متوقفة على خطوط حمراء معلقة: مراهنة استراتيجية ممهدة لأهم أيام الدبلوماسية في القضية الفلسطينية.

 

ما يميز تلك الجولة الحازمة من المفاوضات السياسية بين حماس و الكيان الإسرائيلي المحتل أنها حصرت نتنياهو في ورطة معقدة و صعبة تصعب عليها الخروج منها ، غير بخطوات معقدة و حساسة للغاية تستلزم بحق مهارات معقدة و حلول جذرية وسط غياب الرؤية الداعمة لوقف الحرب بشكل داعم و مؤيد بشكل متوازن يقترب بطريقة شبه متطابقة من الأطياف المتعارضة إسرائيليًا بحق ، غير الرد الخاص بحماس بصفته مراهنة ناجحة ، فضلًا عن تصعيد الموقف في إسرائيل بشكل أقرب للتفكك السريع لائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف ، ما يعكس عبقرية و نبوغ حقيقي مجسد بدء من رد حماس الموافق على خطة ترامب شكليًا فقط .

 

و ما يجسد هذا النبوغ هو رد حماس نفسه التي تقمصت و ألبست البيان زي الرفض في ثوب الموافقة الحتمية التي رسخت دعامتين صلبتين ألا و هما القبول السطحي و الدبلوماسي في آن واحد لفكرة المفاوضات ، و إرضاء غرور ترامب و حبه لتحقيق السلام عن طريق القوة أي بعبارة أخرى خلقت مناورة سياسية ذكية للغاية جعلت ترامب لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة كافة ينشر البيان كاملًا دون حذف أو تعديل ، و هذا ما أثار غضب العديد من السياسيين الأمريكان أنفسهم مثل ليندسي جراهام الذي اعتبر الرد ” “لا ” و لكن في ثوب “نعم “” .

 

و الأكثر من ذلك ، اعتماد ترامب على الضغط المتزايد على نتنياهو خلال الأيام الماضية ، حتى نقل تقرير الفاينشال تايمز الكتاب أندور إنجلاند و أبجيل هيورشمار عن أعضاء في اليمين المتطرف لديه أنه سيحاول فقط إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بشكل سريع و ناجز في المرحلة الأولى ، من دون الرجوع لموضوع قديم و أفكار ميتة بحق مثل ريفيرا الشرق الأوسط لتحقيق ” سلام منحاز ” قطعًا مع الإسرائيليين بحد تعبير الكاتبة البريطانية كيتي ساتيلات في مقالها المعنون ” خيال السلام لدى ترامب ” مصحوبة حجتها بالعديد من البراهين الدالة على خياليتها في حالة الإتمام كذلك الكامنة في ترك الأصل الأساسي  دون الفرع في حالة الحرب في استمرار ائزة لإبادة الجماعية بشكل مروع و مفجع .

 

و لا تتوقف الخدعة الاستراتيجية عند الحد الذي أوقعت فيه المقاومة الرئيس الأمريكي ترامب بمجرم الحرب نتنياهو حيث أنهم لعبوا كذلك على الغطرسة المتضخمة و النجرسية المفرطة لديه أيضًا لما يمتلك ترامب من حبه للأقوياء و المنتصرين الظافرين ، فمثلما تقرب لبوتين حين دعاه لألسكا في يوليو الماضي ، فضلًا عن رغبته العارمة و لهفته القوية بحق للفوز بجائزة نوبل للسلام وتحديدًا عقب مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب الأوربية و تحول لمكسب سياسي و أداة لتحقيق السلام الشامل كما يفترض لنيل الجائزة العالمية .

 

و لعل هذا ما ألمح إليه ما أورده الخبير الإسرائيلي آري ليرمان في تقرير مطول لرويتز أن ” حماس هي من تملك حاليًا زمام الأمور نظرًا لما تمتلكه حماس من كروت قوية للضغط ” متفقًا من نائب مدير مركز الأمن القومي الإسرائيلي عيدان عيصوان في قوله أن حماس تمتلك القرار النهائي “لإنهاء الحرب لإن ردها موافقة في زي الرفض ” ما يطرح عدة خلافات جوهرية بين مطالب المقاومة و المفاوضين كلهم باختلاف جنسياتهم ، و سيناريوهات متضاربة بين الأطراف المفاوضة .

 

مأزق نتنياهو الأزلي : بين الائتلاف المصون للبقاء السياسي و ألاعيب الهروب للحفاظ على المنصب .

 

بشكل معقد و مركب ، يواجه مجرم الحرب نتنياهو العديد من الأزمات الخاصة بالداخل المحتل بحق الجميع على رأسهم زمرة الصهيونية المتطرفة التي لن يكون لها موطأ قدم أو مكان قوي في الحكومة القادمة بشكل ينهي مستقبلهم السياسي قولًا واحدًا قطعًا ، و فشل الأيدولوجية الصهيونية المتطرفة ، أو الكاهانية المنسوبة للحاخام المتطرف مائير كاهانا الإرهابي لدى إسرائيل و أمريكا نفسها .، لكن تمكن من الرجوع للسياسة العامة بأحزاب “منحدرة نحو الهاوية” وفقًا للصحفي يشوع ليفنر ، حتى تولوا الكينسيت في عام ٢٠٢٣ نظرًا لكثرة و اتساع القاعدة المتطرفة فقازت بأغلبية الحكومة الإسرائيلية التي تكونت من عتاة المتطرفين مثل بن غفير و سموتريتش المريدين لمحو فلسطيني الأرض الأصلية .

 

و عندما خاض نتنياهو تلك الحرب الإبادية أراد هدفين جوهرين ، المحافظة على الائتلاف الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان اللقيط منذ تواجده على أرضنا في عام ١٩٤٨ ، ليعرف بعد ذلك أنه في حرب وجودية بعد ال٧ من أكتوبر ، و تحهيزه لها عبر العديد من الآليات التي تحن للخرافات التلمودية و التوراتية ، و تدين لخطاب مختل ينص على خطاب إبادة الأغيار بلا رجعة ثانية ، فمن خلال تلك الرؤى اليمينية استمرت الإبادة الجماعية،  لكن سبب الاستمرار عند مجرم الحرب نتنياهو هو الحفاظ على منصبه السياسي و تهربه من المحاكمات التي تطارده بشكل مستمر مضطرًا لإقالة أكبر عدد ممكن من موظفي السلك القانوني و الدبلوماسي و الجيش للحفاظ على مسار الحرب الأبدية بحد تعبير عاموس هارئيل المحلل العسكري لصحفية معاريف  الذي جزم في أبريل الماضي أنه تلك الحرب “مخفقة و تديرها حكومة في أغلبها غير حربي “.

 

و هناك خيارات بديلة للمجرم الحربي نتنياهو يمكن أن يلجأ لها كثغرة خارجة من المفاوضات ألا و هي فتح جبهات جديدة مثلما فعل مع إيران في حرب يونيو ذات ال١٢ يوم ، الذي أعلن فيها النصر الوهمي بذريعة الضربات الأولية الذي قتل فيها ١٢ عالمًت نوويًا و ٣٠ قائدًا عسكريًا ، معيدًا نفس الذرائع الواهية مع تغيير  نوع السلاح المهدد للغرب ، ففي أول مرة البرنامج النووي الإيراني ، و الثانية القريبة الترسانة الصاروخية للفرط صوتي ما يعني قرب المواجهة القادمة إما مع إيران أو حزب الله ، وسط سؤال واحد لا ثاني لهم يتمحور حول إعادة تلك الحروب التهربية خاصة بعد إعلان واهن بالنصر المزيف كل مرة ، و إثبات مثلما أكد الباحث معين رباني في مقال له على موقع ميدل إيست أي في يوليو الماضي أن إسرائيل “خسرت تلك الحرب بإرادتها الكاملة”لآنها لا تمتلك الحصانة و لا الضوء الأخضر لمصير ما بعد الدولة الإسلامية في إيران غير نفاذ أو وجود ثغرات خطرة و عيوب قاتلة دفاعية و أمنيًا .

 

غير أن خيار آخر قد يضاف إليه الرؤية نفسها من المجرم الحربي نتنياهو ، لكن هذه المرة بحق غزة نفسها حيث يريد طرد أهلها بأي شكل كما يؤكد الباحث الفلسطيني عابد أبو شحادة في مقال مطول له على موقع ميدل إيست أي تحت عنوان واقعي ألا و هو” خطة ترامب لن تغير  رؤية نتنياهو لغزة مسهبًا الأسباب الجمة بدءً من أول الرؤية الرادعة للاستطيان و مرورًا برؤية خطة ترامب أنها منقوصة و مقصوصة لإنها لن تحقق حلم قديم بجعل فلسطين كلها يهودية خالصة ، حتى مع مشهد عرضه الفاشل و هو يكلم الكراسي الفارغة في مشهد غير مسبوق بحق منذ 1948 .

 

فالإجمالي التحصيلي لتلك التحليلات يقود للحقيقة الدائمة و المرسخة لذاتها في أن نتنياهو في مأزق محصور و ضاغط بشكل كبير فسيضطر من خلال ذلك الضغط أن يلعب على جميع الحبال ، حتى و إن بات الأمر و كأن اليمين خسر ، لكنه خسر فقط ” جزئيًا ” قبيل أن يكمل حربه المقدسة المتدثرة بروح التوراة و تخاريف التلمود ، فلا بأس من إعطاء الفرصة الزائفة بالنسبة له على حساب استمراره سياسيًا حتى “و لو كلف ترامب مسرحية هزلية تسمى خطة السلام في الشرق الأوسط” .

 

ترامب : الرقص على مسرح غزة حتى الوصول لنوبل للسلام .

 

في كتابه البارز مجتمع الاستعراض، يهيب الكاتب و الشاعر الفرنسي جي دورندان في  مطلع الكتاب بتقديم وصفة دقيقة لوصف ما فعله الرئيس الأمريكي من لعب عاطفي و تمكن تجاري لأجل إخراج المشهد بأفضل حلة و أرقى هيئة حتى و لو كان على حساب آلاف الجثث و ملايين البشر ، لإن الذرائع لا تعرف التعاطف و لإن السياسية هي ، في العرف الأمريكي الاستعماري ، كما قال تشارلز بيرس مؤسس الفلسفة البراغماتية ، فما يهم وفقًا له في غزة هو الشكل لا المضموت الحقيقي و لا حق الشهداء أو ثمنه الأوفى و الأجدر بالسداد.

 

فما يهم ترامب خطته الاستعمارية الهزلية التي لن تكون سوى مسرحية أخرى ، و كله من أجل جائزة نوبل للسلام الذي سيتوج من أجلها فقط ” رئيس للسلام ” مستعرضًا فقط دلائل قدراته الذي ستسبب فيما بعد في المزيد من الصراع المحتدم و الاقتتال عقب آخذ الأسرى و تركها هكذا مستباحة لا بواكي لها.

اقرأ أيضاً

جيتا : إعادة تسويق لفكرة الانتداب البريطاني بوجه جديد نيولبيرالي

 

مصطفي نصار

كاتب و مترجم متخصص في الفلسفة السياسية و التاريخ المتعلق بالشئون السورية و الفلسطينية و السودانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى