ترامب يُسلّح بصمت: أوكرانيا تتلقى الدعم عبر أوروبا
تحالفات خلف الستار... وصدام يلوح في الأفق مع بوتين

في مشهد يعكس تغيرًا جوهريًا في سياسته الخارجية، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، ولكن بأسلوب غير مباشر. وبدلاً من تقديم الدعم مباشرة، تنوي واشنطن تزويد حلفاء الناتو بالأسلحة، ليقوموا هم بدورهم بتسليمها إلى كييف. هذه المناورة تعكس رغبة ترامب في تحقيق التوازن بين خطابه المحلي المحافظ، ومطالب حلفائه الأوروبيين بتعزيز الدعم العسكري.
إعلان مرتقب يحمل أكثر من دلالة
ويبدو أن هذا التحول لن يكون مجرد تصريح عابر، إذ أعلن ترامب خلال مقابلة مع NBC News أنه سيُصدر “قرارًا كبيرًا” بشأن روسيا يوم الاثنين. هذا التصريح، وإن لم يتضمن تفاصيل صريحة، فُهم على نطاق واسع كمقدمة لإعلان حزمة الدعم الجديدة، ما يعكس تصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو.
التفاف ذكي على الدعم المباشر
وفي ضوء هذا الإعلان، تتضح ملامح خطة مُحكمة تهدف إلى تمرير الدعم العسكري دون إثارة الجدل الداخلي. فوفق الخطة، تبيع الولايات المتحدة الأسلحة لحلفاء في الناتو، ويتولى هؤلاء مسؤولية نقلها إلى أوكرانيا. وبهذا، يُرضي ترامب قاعدته الشعبية الرافضة للتدخل المباشر، دون أن يخسر موقعه كحليف رئيسي في المعركة ضد التمدد الروسي.
واشنطن تتقدّم خطوة… وتحذر من التورط المباشر
ويؤكد هذا المسار أن البيت الأبيض بات يُدرك ضرورة الموازنة بين الالتزامات الدولية والحسابات السياسية المحلية. فالخطة تمنح ترامب قدرة على المناورة داخليًا، بينما تسمح له بإرضاء الضغوط الأوروبية، التي تطالب واشنطن بعدم التخلي عن كييف في لحظة حرجة.
رسائل ميدانية: زيارة كيلوغ المنتظرة إلى كييف
وفي إطار تكريس هذا التوجه الجديد، يستعد المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، الجنرال كيث كيلوغ، للتوجه إلى كييف. الزيارة تهدف إلى شرح تفاصيل الصفقة الجديدة للقيادة الأوكرانية، في رسالة واضحة بأن الدعم الأمريكي، وإن بدا غير مباشر، فهو قائم وفاعل.
خلفية القرار: البنتاغون في مأزق
ومن المفارقات أن هذا التوجه الجديد يأتي بعد أسابيع من إعلان البنتاغون عن تجميد مؤقت لشحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بسبب انخفاض حاد في المخزون، خاصة من صواريخ “باتريوت”. هذا التجميد، الذي أثار موجة من الانتقادات، دفع الإدارة الأمريكية إلى البحث عن حلول خارج الصندوق.

توترٌ يتصاعد مع موسكو
وبينما كانت واشنطن تعيد صياغة استراتيجيتها، جاء موقف ترامب من بوتين ليزيد الأمور تعقيدًا. فالرئيس الأمريكي لم يتردد في التعبير عن خيبة أمله من نظيره الروسي، قائلاً إن بوتين “يُلقي علينا الكثير من الهراء”، في تعبير نادر عن توتر علني بين الزعيمين.
أوروبا تملأ الفراغ وتُنسق عن قرب
وفي ظل هذا التصعيد، كثفت دول أوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، التنسيق مع واشنطن لتنفيذ الصفقة الجديدة. هذه التحركات تعكس قناعة متزايدة بأن على أوروبا لعب دور أكبر في إدارة الصراع، خاصة إذا تراجع الدور الأمريكي المباشر.
كييف بين الصمود والاعتماد
وفي خضم هذه المعطيات، تواصل أوكرانيا التعبير عن حاجتها العاجلة لأنظمة دفاع متطورة مثل “باتريوت” و“هيمارس”. فرغم التطور اللافت في صناعتها العسكرية، إلا أن خطوط الجبهة تحتاج إلى تعويض مستمر للأسلحة التي تستهلك يوميًا في مواجهة القوات الروسية.
جدل متجدد حول نوعية الأسلحة
وبينما يتحرك الدعم، يدور في واشنطن نقاش داخلي محتدم حول طبيعة المعدات المرسلة. فالبعض يدعو لحصرها في الأسلحة الدفاعية، بينما تؤكد تقارير أخرى احتمال إدراج صواريخ هجومية بعيدة المدى، ما قد يُنذر بتصعيد جديد في طبيعة الحرب.
أزمة إنتاج تُعقّد المشهد
وبموازاة هذا الجدل، كشفت صحيفة “الغارديان” أن الجيش الأمريكي لا يمتلك سوى ربع الكمية المطلوبة من صواريخ “باتريوت”، ما يُلقي بظلال ثقيلة على قدرة واشنطن في تغطية احتياجات الحلفاء، ويُبرز أزمة أعمق في الصناعة العسكرية الأمريكية.
عقوبات شاملة على الطاولة
ومع تصاعد الغضب من بوتين، عاد ترامب ليرفع سقف المواجهة من خلال دعمه لقانون “عقوبات روسيا 2025” المقترح من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام. القانون يسعى لفرض حزمة عقوبات غير مسبوقة على الاقتصاد الروسي، في خطوة قد تُعيد تشكيل العلاقات الدولية.
استهداف شركاء موسكو أيضًا
وتتوسع مفاعيل هذا القانون لتطال دولًا تتعامل تجاريًا مع روسيا، من خلال فرض رسوم تصل إلى 500% على وارداتها من المنتجات الروسية. هذا البند يُعد تحذيرًا ضمنيًا لدول مثل الصين والهند التي ما زالت تحتفظ بعلاقات اقتصادية نشطة مع موسكو.
دعم مشروط من الحزبين
وبالرغم من الدعم الواسع داخل الكونغرس، إلا أن تمرير القانون ما زال مشروطًا بإشارة تنفيذية من ترامب، الذي يملك أيضًا سلطة فرض العقوبات بشكل مباشر دون الرجوع إلى التشريع، وهو ما يمنحه أوراق ضغط إضافية في صراعه مع الكرملين.
خلفية مشهد معقّد
وفي الخلفية، تستمر روسيا في تصعيدها العسكري ضد كييف، في ظل تعثر واضح لمفاوضات وقف إطلاق النار. وفي المقابل، تتمسك أوكرانيا بمطلبها الأساسي: دعم متواصل يمكنها من الصمود. أما واشنطن، فتبدو عازمة على أن تعود إلى ساحة الصراع، ولكن بأسلوبها الخاص: دعم مشروط، وضغوط محسوبة، وتحركات تُبقي الجميع في حالة ترقّب.