الاقتصاد

سباق ضد الزمن: شركاء أمريكا يسارعون لتوقيع صفقات قبل التعريفات

مفاوضات محمومة قبل الموعد النهائي: هل تنجح الوفود في التوصل

قبل ساعات فقط من بدء تطبيق تعريفات جمركية جديدة واسعة النطاق أعلنها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، تشهد واشنطن اندفاعًا محمومًا من قبل وفود الدول الشريكة تجاريًا مع الولايات المتحدة، في محاولة يائسة لتوقيع صفقات تجارية أخيرة تحمي صادراتهم. ومنذ إعلان ترامب عزمه إعادة فرض رسوم قد تصل إلى 50% على الشركاء الذين لم يتوصلوا إلى اتفاقات جديدة بحلول 1 أغسطس، دخلت العواصم العالمية في سباق دبلوماسي متسارع لكسب الوقت، والتفاوض المباشر مع كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم وزير التجارة والممثل التجاري الأمريكي. هذا التصعيد المفاجئ الذي يشكّل ذروةً لستة أشهر من التوترات التجارية، لا يعكس فقط تصميم ترامب على إعادة صياغة العلاقات التجارية للولايات المتحدة، بل يكشف أيضًا عن مدى ارتباك الحلفاء إزاء السياسة الاقتصادية المتقلبة لواشنطن. وبينما ترتفع مؤشرات الأسواق الأمريكية إلى مستويات قياسية، يبقى القلق سيد الموقف في الكواليس الدبلوماسية، مع ترقب لما إذا كان ترامب سيواصل تنفيذ تهديداته دون تراجع في اللحظة الأخيرة.

اندفاع دبلوماسي قبل الموعد النهائي

مع اقتراب الساعة من منتصف ليل الأول من أغسطس، تتكثف المفاوضات التجارية في العاصمة الأمريكية بين مسؤولي الإدارة ووفود من كندا والمكسيك والهند والاتحاد الأوروبي، في محاولة لتجنب موجة الرسوم الجديدة التي هدد بها الرئيس ترامب. وقد أُعلن بالفعل عن اتفاق مع كوريا الجنوبية، بينما تجري محادثات اللحظة الأخيرة مع الهند، رغم فرض رسوم بنسبة 25% عليها. لكن ترامب لم يبدِ أي تهاون في موقفه، قائلاً عبر منصته “تروث سوشيال”: “الأول من أغسطس هو الأول من أغسطس. الموعد ثابت ولن يُمدد. يوم كبير لأمريكا!”. هذه التصريحات لم تترك للمفاوضين سوى خيار واحد: التحرك بسرعة لإبرام الاتفاقات أو مواجهة العواقب الجمركية القاسية.

ترامب يفرض إيقاعه على المفاوضات

مصادر مطلعة على المفاوضات كشفت أن الرئيس ترامب كان يتدخل شخصيًا في بعض المحادثات الحساسة، بما في ذلك اتصاله المباشر بوزير التجارة الهندي أثناء المحادثات الجارية. ورغم الجهود الكبيرة التي يبذلها وزير التجارة هاوارد لوتنيك والممثل التجاري جيميسون غرير، إلا أن الكلمة الفصل في كل صفقة تعود للرئيس وحده. في أكثر من مرة، رفض ترامب عروضًا تفاوضية متوازنة قدمها مساعدوه، مطالبًا بالمزيد من التنازلات لصالح الولايات المتحدة. وقد أدى هذا النمط من التفاوض إلى حالة من الإرباك والقلق لدى بعض الوفود، خاصة بعد أن تلقوا رسائل متناقضة بشأن آلية تطبيق الرسوم أو إعفائها.

الأسواق لا تهتز… لكن المصارف قلقة

رغم التصعيد التجاري، فإن الأسواق المالية الأمريكية لم تُبدِ رد فعل سلبي كبير، بل على العكس، قفز مؤشر S&P 500 إلى مستويات قياسية، وسجّل الدولار أعلى مستوياته منذ مايو. غير أن بعض البنوك الكبرى في وول ستريت تحذر من أن الأسواق قد تكون أكثر تفاؤلًا مما ينبغي. بنك “مورغان ستانلي” حذّر عملاءه في مذكرة حديثة قائلاً: “مرت مواعيد نهائية، وارتفعت التعريفات… لكن الأسواق لم تنهَر. من السهل الافتراض أن السياسة التجارية الأمريكية لم تعد مؤثرة، لكن يجب مقاومة هذا الافتراض.” فبينما تتجاهل مؤشرات الأسهم التصعيد الحالي، قد تنقلب الصورة فجأة مع أي تنفيذ مفاجئ لتعريفات لم تكن محسوبة.

الحلفاء بين الاستثناء والتهديد

في حين تم إعفاء بعض السلع الكندية والمكسيكية التي تندرج ضمن اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2020، إلا أن الدولتين لا تزالان ضمن قائمة التهديدات الجمركية المباشرة التي أطلقها ترامب خلال الأسابيع الماضية. فقد تلقّت عدة دول خطابات من الإدارة الأمريكية تتضمن معدلات رسوم جديدة، بعضها يصل إلى 50%، دون صدور أوامر تنفيذية رسمية حتى الآن. وفي بريطانيا، ألمح ترامب إلى احتمال فرض رسوم شاملة تتراوح بين 15 و20% على الدول التي لا توقّع اتفاقيات جديدة بحلول الموعد المحدد، مضيفًا: “لا يمكن أن نعقد 200 اتفاق في وقت واحد.”.

التحدي الأكبر: تضارب الرسائل وغموض التنفيذ

واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الوفود المفاوضة هي الافتقار إلى الوضوح حول أي الرسوم سيتم تطبيقها، وأيها يمكن استثناؤه. البعض يعتقد أن الرسوم المعلنة في أبريل ستُعاد تفعيلها، في حين يرى آخرون أن ترامب قد يصدر أوامر جديدة تشمل تعريفات مختلفة تمامًا. هذا الغموض يقوّض القدرة على التفاوض بثقة، ويدفع العديد من المفاوضين إلى محاولة استرضاء الرئيس بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب قطاعات حيوية في بلدانهم.

ترامب يعيد تعريف التجارة العالمية بشروطه

استراتيجية ترامب القائمة على التهديد بفرض رسوم لتقديم تنازلات سياسية أصبحت الآن جوهر أجندته التجارية. منذ ما سماه “يوم التحرير” في أبريل، استخدم ترامب الرسوم كوسيلة ضغط مركزية لإعادة هيكلة العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين. ورغم وعده بعقد 90 اتفاقًا في 90 يومًا خلال فترة تعليق الرسوم، إلا أن المفاوضات سادها التوتر، والتناقض، وغالبًا ما انتهت دون نتائج نهائية. ومع اقتراب الموعد النهائي، يجد كثير من الشركاء أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: توقيع اتفاقات جزئية وغير متكافئة، أو مواجهة موجة رسوم ستؤثر على اقتصاداتهم بشدة.

لحظة حاسمة في السياسة التجارية الأمريكية

ما يحدث الآن ليس مجرد خلاف تجاري عابر، بل هو إعادة تعريف للعلاقات الاقتصادية الدولية بزعامة رئيس أمريكي يرفض القواعد القديمة. وبينما يستعد العالم ليوم الأول من أغسطس، لا تزال الأسئلة قائمة: هل سيُنفذ ترامب تهديداته بالكامل؟ وهل تستطيع الوفود الدولية تلبية شروطه في الوقت المناسب؟ المؤكد أن الأيام القادمة ستكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل العلاقات التجارية الأمريكية، بل لموقع الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي الذي طالما كانت تتصدره.

اقرا ايضا 

ترامب يفرض رسوما جمركية على الأدوية الأوروبية: تأثيرات اقتصادية وصحية 

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى