حرائق غابات تلتهم ضواحي أثينا الشمالية وسط أوامر بالإخلاء ومخاوف من تفاقم الأزمة
حرائق غابات خارجة عن السيطرة شمال أثينا تكشف هشاشة الاستجابة اليونانية للأزمات المناخية

تشهد العاصمة اليونانية أثينا واحدة من أسوأ موجات حرائق الغابات خلال صيف 2025، حيث اندلع حريق ضخم في ضاحية كريونيري شمال شرق المدينة، ما دفع السلطات إلى إصدار أوامر إخلاء فورية للسكان مع تحذيرات من أن الأسوأ لم يأت بعد. وبينما تتزايد وتيرة حرائق الغابات سنويًا في اليونان، فإن هذا الحريق يُعد مؤشرًا خطيرًا على تصاعد التأثيرات المناخية التي تعصف بجنوب أوروبا. تعجز السلطات في كثير من الأحيان عن احتواء هذه الكوارث في ظل الرياح العاتية والجفاف الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة التي تضرب البلاد. وبينما طلبت أثينا دعمًا جويًا من الاتحاد الأوروبي، تواجه فرق الإطفاء صعوبة في السيطرة على النيران التي اقتربت من المناطق السكنية. الأزمة الحالية لا تُظهر فقط هشاشة البنية التحتية في التعامل مع الكوارث الطبيعية، بل تضع الحكومة تحت ضغط متزايد من المواطنين المطالبين بتحرك عاجل واستباقي، وليس مجرد رد فعل بعد اندلاع الكارثة.
أوامر بالإخلاء وسط ألسنة اللهب في كريونيري
أفادت هيئة الإطفاء اليونانية أن السكان في بلدة كريونيري تلقوا ثلاث رسائل قصيرة تحثهم على مغادرة منازلهم فورًا إلى مناطق آمنة. البلدة، التي تبعد نحو 20 كيلومترًا شمال شرق أثينا، شهدت مشاهد صادمة مع احتراق عدد من المنازل كما أظهرت وسائل الإعلام المحلية. ولم يتم بعد حصر حجم الأضرار، لكن المتحدث باسم هيئة الإطفاء، فاسيليس فاثراكويانيس، أكد أن الأولوية الآن هي لاحتواء الحريق، قائلًا إن “الصعوبات الحقيقية ما زالت أمامنا”. وأكدت الحكومة أنها طلبت دعمًا من آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ست طائرات إطفاء إضافية. التصعيد المفاجئ للحريق يعكس محدودية قدرة السلطات المحلية في التعامل مع كوارث طبيعية بهذا الحجم، خاصة مع تكرارها سنويًا.
جهود إطفاء مكثفة لكنها غير كافية
دفعت السلطات بـ145 عنصر إطفاء و44 سيارة إطفاء إلى موقع الحريق، مدعومين بعشر طائرات إطفاء وسبع طائرات مروحية. إلا أن شدة النيران واتساع رقعتها قللا من فعالية التدخل الأرضي والجوي، في ظل ظروف مناخية صعبة. وحتى فرق الإسعاف لم تسلم من الضغط، حيث تم تسجيل خمس حالات اختناق، معظمها بين كبار السن، نتيجة استنشاق الدخان الكثيف. في مثل هذه السيناريوهات، يصبح التنسيق السريع بين أجهزة الدولة، وتوافر المعدات والتدريب الجيد للعناصر البشرية، عاملًا حاسمًا في تقليل الخسائر. إلا أن اليونان، كما يبدو، ما تزال تعاني من فجوة في الجاهزية.
الحرارة والرياح تغذي النيران
تشهد البلاد موجة حارة تصل فيها درجات الحرارة إلى 38 درجة مئوية أو تتجاوزها، مصحوبة برياح نشطة وجفاف شديد، مما يوفر البيئة المثالية لتمدد الحرائق. وقال فاثراكويانيس إن “الحرائق في هذه الظروف تتمدد بسرعة وتصبح خطيرة للغاية”، مضيفًا أن هذه الظروف يُتوقع أن تستمر في الأيام المقبلة. عوامل الطقس لم تعد مجرد متغير خارجي بل باتت عنصرًا محوريًا في معادلة إدارة الكوارث. ففي ظل الاحتباس الحراري، تتحول درجات الحرارة العالية والرياح من عناصر طبيعية إلى أدوات دمار لا يمكن السيطرة عليها بسهولة.
تعدد بؤر الاشتعال يزيد الضغط على السلطات
لا يقتصر الخطر على أثينا فقط؛ إذ أفادت هيئة الإطفاء أنها تتعامل حاليًا مع ثلاث حرائق كبرى أخرى في الجنوب الغربي من البلاد، في جزيرتي كريت وإيفيا، إضافة إلى جزيرة كيثيرا. وتتطلب هذه الجبهات مشاركة 335 عنصر إطفاء و19 طائرة و13 مروحية، ما يمثل استنزافًا للموارد البشرية والتقنية. مع تعدد البؤر، تصبح الأولويات مرتبكة، ويصعب التحكم في توزيع الموارد بفعالية، وهو ما يعكس الحاجة إلى خطة طوارئ مركزية موحدة على مستوى الدولة.
أزمة لوجستية بسبب الاعتماد على الطيران النهاري
أحد التحديات الكبرى التي تواجه فرق الإطفاء هو أن الطائرات والمروحيات لا تستطيع العمل ليلًا، ما يعني أن الحرائق تظل مشتعلة بلا مقاومة طوال ساعات الظلام. هذه الفجوة الزمنية تُعد نقطة ضعف كارثية في استراتيجية الإطفاء. ومع تزايد اعتماد اليونان على الطائرات الأجنبية لدعم قدراتها، يصبح واضحًا أن البلاد بحاجة إلى تعزيز أسطولها المحلي وتحديث آليات التدخل السريع، خاصة في ظل تزايد حدة الحرائق عامًا بعد عام.
اقرأ أيضاً
رئيس “روش”: يمكننا خفض أسعار الأدوية في أمريكا بنسبة 50٪ “بسهولة”… بشرط واحد
ارتفاع غير مسبوق في عدد الحرائق خلال 24 ساعة
خلال الـ24 ساعة الماضية فقط، اندلعت 52 حريقًا في مختلف أنحاء اليونان، بحسب فاثراكويانيس. هذا الرقم يعكس حجم الأزمة المناخية التي تعيشها البلاد، والتي لم تعد مجرد أحداث موسمية عابرة. وتطرح هذه الأرقام تساؤلات جدية حول كفاءة أنظمة الإنذار المبكر، والتخطيط العمراني في المناطق المعرضة للخطر، ومدى استثمار الدولة في برامج التوعية والوقاية. يبدو أن هناك حاجة ماسة إلى مقاربة شاملة تجمع بين التدخل السريع والمعالجة الاستباقية لأسباب هذه الكوارث.
حرائق الغابات… أزمة متكررة تتحول إلى واقع دائم
تحولت حرائق الغابات في اليونان من أحداث طارئة إلى ظاهرة متكررة تفرض نفسها كل صيف، وتتسبب في دمار بيئي ومادي كبير. خلال الشهر الماضي فقط، سجلت البلاد عدة حرائق ضخمة في مناطق مختلفة، دون أن تتمكن من احتوائها بشكل فعال. هذا التكرار المستمر يشير إلى أن ما يحدث ليس مجرد سوء حظ، بل نتيجة لخلل بنيوي في التعامل مع التغير المناخي وآثاره المباشرة. ويتطلب الأمر تحولًا جذريًا في السياسات البيئية، وتوجيهًا أكبر للموارد نحو الوقاية والتأهب لا مجرد التعامل مع ما بعد اندلاع النيران.