الوكالات

غضب روسي من حكم قضائي وصفته بـ”المُسيّس”: دوديك في قلب أزمة البوسنة الجديدة

في مشهد يُعيد إلى الأذهان أجواء الصراعات القومية التي لم تهدأ كليًا في البلقان، عبّرت موسكو عن “خيبة أمل عميقة” إزاء الحكم القضائي الذي صدر بحق رئيس جمهورية صرب البوسنة، ميلوراد دوديك، واعتبرته تجسيدًا لممارسات عدالة مسيّسة تهدف إلى إقصاء الأصوات المناهضة للهيمنة الغربية في البوسنة والهرسك. وزارة الخارجية الروسية، وعلى لسان المتحدثة باسمها ماريا زاخاروفا، لم تكتف بالتعبير عن الاستياء، بل لوّحت صراحة باستخدام الوسائل السياسية المتاحة للدفاع عن ما وصفته بـ”الشرعية الدستورية لجمهورية صرب البوسنة”.

بين المحكمة وروسيا: شرعية دوديك في الميزان

في الأول من أغسطس الجاري، أيدت لجنة الاستئناف القضائية في البوسنة والهرسك الحكم الجنائي الصادر سابقًا بحق دوديك، وهو ما اعتبرته موسكو “قرارًا غير عادل ومعاديًا للديمقراطية”، متهمة جهات خارجية بـ”فبركة القضية” وإصدار أوامر لمحاكمة رئيس منتخب ديمقراطيًا. من وجهة النظر الروسية، فإن المحاكمة لا تمتّ إلى العدالة بصلة، بل تمثل محاولة لإزاحة قائد يعارض سياسات الهيمنة الغربية، ويجاهر برفضه لـ”النيوليبرالية الاستعمارية الجديدة”، وفق تعبير زاخاروفا.

اتفاق دايتون في قلب المواجهة

الموقف الروسي في هذه القضية لا ينطلق فقط من دعم تقليدي لحليف بلقاني، بل يرتكز على منظومة قانونية وسياسية أوسع ترتبط باتفاق دايتون للسلام، الذي أنهى الحرب الأهلية في البوسنة عام 1995. تؤكد موسكو تمسّكها بالاتفاق بوصفه الضامن لبنية الدولة ثنائية الكيان وثلاثية القومية، وترى في أي استهداف لسلطات جمهورية صرب البوسنة تقويضًا مباشرًا لتوازن ما بعد الحرب. ومن هنا، فإن الدفاع الروسي عن دوديك يأخذ طابعًا استراتيجيًا أكثر من كونه ردّ فعل على حدث قضائي، إذ ترى في الحكم مؤشرًا على نوايا غربية لإعادة رسم ميزان القوى الداخلي في البلاد.

تحذير روسي من “فتنة داخلية”

في تعليقها، لم تُخفِ زاخاروفا قلق موسكو من أن تؤدي الأحكام القضائية المدفوعة سياسيًا، على حد قولها، إلى تأجيج الانقسامات الإثنية، بل وربما إشعال فتيل أزمة أوسع تهدد الاستقرار الهش في البوسنة والهرسك والمنطقة بأكملها. وشددت على أن روسيا، بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن وضامنًا لاتفاق دايتون، ستستخدم الوسائل السياسية المتاحة لمنع تصاعد التوترات، والحفاظ على السلم الأهلي والحوارات بين المكونات القومية الثلاثة في البلاد.

إشارة إلى استقطاب إقليمي آخذ بالتصاعد

يأتي الموقف الروسي في ظل تعاظم الاستقطاب الإقليمي والدولي حول مستقبل البوسنة، حيث تُتهم الأطراف الغربية بمحاولة فرض رؤية مركزية للدولة تتجاوز ما تم الاتفاق عليه في دايتون، بينما تتصدى بلغراد وموسكو لهذه التوجهات بحزم. وفي هذا السياق، يُنظر إلى قضية دوديك باعتبارها جزءًا من صراع سياسي أشمل حول هوية البوسنة وحدود نفوذ القوى الدولية فيها، لا مجرد ملف جنائي.

المستقبل القريب: إلى أين تتجه الأزمة؟

من غير المتوقع أن يؤدي بيان الخارجية الروسية إلى تغيير فوري في المسار القضائي البوسني، لكن من المؤكد أن مفاعيله السياسية ستتردد في أروقة سراييفو وبانيا لوكا على السواء، كما في أوساط الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن. وقد تتحوّل القضية إلى ورقة تفاوضية في المحافل الدبلوماسية الكبرى، خاصة إذا تمادت الجهات القضائية في ملاحقة دوديك أو غيره من قادة جمهورية صرب البوسنة.

في هذا السياق، يتزايد القلق من أن يفضي أي تصعيد سياسي أو أمني إلى نسف ما تبقى من التعايش الهش، والعودة إلى أجواء التوترات القومية التي دمّرت البلاد في تسعينيات القرن الماضي.

اقرأ أيضاً:

استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري في منتصف تعاملات الخميس 31 يوليو 2025

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى