الوكالات

تحوّل في الخطاب أم وهم اللحظة؟ الغرب وإسرائيل بين الإدانة والتواطؤ

بحسب تحليل نشرته صحيفة الجارديان، فإن آلة الحرب الإسرائيلية واصلت على مدى قرابة عامين شنّ هجماتها العنيفة على قطاع غزة، في ظل تواطؤ دولي وصمت لافت من الحكومات الغربية. لكن في الآونة الأخيرة، رصدت الصحيفة تحولًا ملحوظًا – ولو على مستوى الخطاب – في مواقف بعض القادة الأوروبيين والبريطانيين، حيث بدأت تصدر إدانات غير مسبوقة، وُصفت فيها أفعال إسرائيل بأنها “غير مبررة أخلاقيًا” و”غير متناسبة بشكل صارخ”. والسؤال الذي تطرحه الغارديان: هل يعكس هذا التغير تحوّلًا حقيقيًا في السياسات، أم أنه مجرد محاولة متأخرة للتنصل من شبهة التواطؤ مع جريمة مكتملة الأركان؟

 تأخر الإدانة: لماذا الآن؟

السؤال الأول الذي يفرض نفسه هو: لماذا هذا التحول في الخطاب الآن، بعد 19 شهرًا من القصف والحصار والتجويع؟ الإجابة تكمن في تعرّي الخطاب الغربي التقليدي، وعدم قدرته على تبرير المجازر المتكررة بحق المدنيين الفلسطينيين، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الشعبية وتراكم الأدلة التي تدين إسرائيل بممارسات تصل إلى حد الإبادة الجماعية. التحول ليس موقفًا أخلاقيًا، بل محاولة استباقية لحماية الذات السياسية من المحاسبة التاريخية.

 فجوة بين الخطاب والواقع

ورغم لهجة الإدانة الجديدة، فإن الفجوة بين الكلام والفعل تزداد اتساعًا. إسرائيل مستمرة في قصفها وتجويعها دون أي عواقب تذكر، بينما المؤسسات الدولية – من محاكم إلى هيئات إنسانية – تقف عاجزة تمامًا عن تنفيذ قراراتها. لقد تحولت لغة الإدانة إلى ما يشبه المناورات السياسية، تُلقى على مسامع العالم دون أن تعيق آلة القتل شيئًا.

 قوة إسرائيل في تجاهل الإدانة

اللافت أن إسرائيل لا تضع هذه الإدانات في الحسبان، بل تستثمرها في روايتها الذاتية كدولة “محاصرة” و”مظلومة”، تستمد قوتها من “وحدتها في مواجهة الكراهية العالمية”. لم تكن لحظة التحول في الخطاب سوى نقطة مقارنة توضح مدى التدني الذي كان عليه الموقف الغربي من قبل، وليس قفزة نوعية إلى الأمام.

 زمن التواطؤ العلني

الواقع أن التغير الخطابي لا يمحو حقيقة أن الغرب كان – ولا يزال – متواطئًا في هذه الحرب. التواطؤ لم يكن فقط في الصمت، بل في تسليح إسرائيل، وفي قمع الأصوات المعارضة داخليًا، ووصم من يصف الواقع بمصطلحاته الحقيقية. لقد تم تجريم تسمية المجازر باسمها، وتم اعتقال محتجين لأنهم تجرأوا على وصف ما يحدث بـ”الإبادة”.

 لحظة مفصلية تُهدَر

ورغم كل ذلك، فإن ما يجري اليوم قد يشكل لحظة مفصلية يمكن البناء عليها. فإسرائيل تجاوزت حتى الخطوط الحمراء التي كانت الحكومات الغربية تضعها كحدود للصبر. القصف العشوائي، سياسة التجويع، واستهداف المدنيين باتت أكثر فظاعة ووضوحًا. بات الصمت مكلفًا من الناحية الأخلاقية والسياسية، ومع كل يوم يمر، تتسخ أيادي المتفرجين أكثر.

 آليات الردع المفقودة

لكن مواجهة إسرائيل تتطلب أكثر من مجرد “مراجعة” العلاقات التجارية أو بيانات الشجب. الردع الحقيقي يستدعي كسر التصورات التقليدية التي تعامل إسرائيل كحليف “متحضر” في منطقة “غير مستقرة”. ينبغي تجاوز الخوف من “شقاق دبلوماسي” والانتقال إلى خطوات عملية: فرض عقوبات، وقف التبادل التجاري، تجميد أصول قادة الاحتلال، والاعتراف بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية.

 نهاية الوهم وبداية المساءلة

ما نشهده اليوم هو اختبار لمصداقية النظام الدولي. كل الذرائع التي كانت تُستخدم لتبرير التردد سقطت: الخوف من إيران، الحفاظ على “توازن” هش، أو حتى الديون التاريخية. العالم قد تغيّر فعلًا، والتردد الغربي لم يوقف الكارثة بل ساهم في تفاقمها. إذا لم تتحرك القوى الفاعلة الآن، فإنها لن تُدان فقط على الورق، بل ستُحاسب أمام الأجيال المقبلة على أنها كانت شاهد زور في لحظة كانت تتطلب شجاعة حقيقية.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى