تقارير التسلح

الفرقة الخماسية تعود بنَسخة جديدة للحرب ضد الطائرات المسيرة

في ظل تصاعد تهديدات الطائرات المسيرة والأسلحة الذكية على ساحة المعركة، عاد النقاش حول فكرة «الفرقة الخماسية» التي ابتُكرت في خمسينيات القرن الماضي. الفكرة الأساسية آنذاك كانت تقليل التكدس وتقسيم القوة إلى وحدات أصغر متحركة لتخفيف خطر الهجوم النووي، لكنها فشلت عمليًا بسبب صعوبات القيادة والإمداد والتنسيق. اليوم تبدو المعادلة مختلفة: التهديد ليس نوويًا بالمعنى التقليدي، بل دقة استهداف عالية ونيران متقدمة قادرة على كسر تجمعات القوات خلال دقائق. هذا الواقع أعاد طرح السؤال: هل تكفي التكنولوجيا الحديثة وأنظمة القيادة الموزعة لتعويض عيوب اللامركزية السابقة، أم أن مخاطر فقدان التنسيق ستظل أعلى من الفوائد؟ المقال التالي يعيد صياغة هذه الفكرة في ضوء تحولات ساحة القتال المعاصرة، ويستعرض حجج المؤيدين والمعارضين وأبعاده التشغيلية وصولًا إلى مخاطر تطبيقه عمليًا.

 

الأساس التاريخي والدروس المستفادة

 

فكرة «الفرقة الخماسية» لم تولد من فراغ، بل جاءت كرد فعل على تهديد استنزاف شامل يمكن أن تسببه أسلحة تدميرية. في الخمسينيات كانت الرؤية تعتمد على وحدات صغيرة متفرقة قادرة على النجاة وإعادة التجمع، لكن التطبيق الفعلي اصطدم بعقبات لوجستية وبنيوية: أنظمة قيادة مركزية لا تتناسب مع انقسام الوحدات، صعوبات في الإمداد والتعزيز، ونقص تدريب يكفي لقيادة وحدات مستقلة بكفاءة. الدرس الأساسي هو أن اللامركزية وحدها لا تكفي؛ يجب أن تواكبها بنى شُعبية في القيادة، لوجستيات مرنة، وإمكانيات اتصالات فائقة الموثوقية. دون هذه المكوّنات، تتحول اللامركزية إلى تشظٍ يؤدي إلى تباطؤ اتخاذ القرار وفقدان القدرة على توجيه ضربات منسقة.

 

لماذا الآن؟ التهديدات والقدرات المتغيرة

 

المبرر الحديث لإعادة النظر في نموذج Pentomic هو تغير بيئة التهديد والتطور التقني: الطائرات المسيرة رخيصة وواسعة الانتشار، الاستخبارات الفورية تعرّف مواقع التجمعات بدقة، وأنظمة السلاح الدقيقة تحوّل أي تركيز للقوات إلى هدف محتمَل. بالمقابل، التكنولوجيا أمنت إمكانيات جديدة: شبكات اتصال موزعة، طائرات استطلاع لحظية، خرائط زمنية حقيقية، وأنظمة قيادة تتيح التنسيق بين عناصر متناثرة. لذلك يرى المدافعون أن «فرقة خماسية محدثة» يمكن أن تقلل من قابلية استهداف الوحدات، معتمدة على شبكات رقمية تُبقي القادة على علم دائم بمواقع قواتهم وأعدائهم، وتسمح بعمليات اندماج وتمزق مرنة تبعًا للتهديد.

 

نقاط القوة التشغيلية ومجالات التطبيق

 

من الناحية العملية، تطبيق نسخة حديثة من «الفرقة الخماسية» قد يتيح سرية أكبر في التحرك، قدرة على التشظي السريع لتجنب الكشف، ومرونة أكبر في استغلال التضاريس والغطاء الإلكتروني. في مهام الدفاع النشط ضد الدرونز أو في مواجهات هجومية منخفضة الكثافة، يمكن لهذه الوحدات الصغيرة أن تعمل كورشات هجومية واستطلاعية مستقلة ثم تتجمع لضرب هدف مشترك. كما أن التدريب على اتخاذ القرار المستقل وتفويض السلطة قد يسرع ردود الفعل ويستغل المبادرة الميدانية. ومع ذلك، نجاح هذه النقاط يتطلب استثمارات في التدريب، أدوات اتصال مقاومة للتشويش، ونظم لوجستية قادرة على دعم وحدات متناثرة دون تعريضها للخطر.

 

القيود والمخاطر: لماذا يخشى المعارضون؟

 

رغم الفوائد المحتملة، يخشى المعارضون من تكرار أخطاء الماضي: اللامركزية المفرطة قد تؤدي إلى فقدان التناسق الاستراتيجي، تضارب في الأولويات الميدانية، وصعوبة تنفيذ عمليات معقدة تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين نيران دعم مختلفة. كذلك تبقى قابلية أنظمة الاتصالات الحديثة للتشويش والهجمات الإلكترونية نقطة ضعف مركزية—ففي حال تعطيل الشبكة قد تصبح الوحدات الصغيرة معزولة تمامًا. أخيرًا، تطلب النموذج الجديد صفات بشرية عالية لدى الضباط والجنود: قدرة على اتخاذ قرارات سريعة، فهم تكتيكي متقدم، وقدرة على قبول مخاطر تكتيكية—وهذا ليس متوفرًا دائمًا في كل جيش أو مستوى من العناصر القتالية.

 

ماذا يعني هذا للمستقبل القتالي؟

 

إعادة إحياء فكرة الفرقة الخماسية بصيغة «Pentomic v5» ليست وصفة سحرية، لكنها خيار تكتيكي واستراتيجي يستحق الاختبار المنظم. الأهم هو التعامل مع الفكرة كحزمة متكاملة: تغيير في التكتيكات فقط دون دعم لوجستي وقيادي وتقني سيعيد إنتاج إخفاقات الخمسينيات. بدلاً من ذلك، يمكن للدول الراغبة اعتماد هذا النموذج أن تبدأ بتجارب ميدانية محددة، تحسين أنظمة القيادة والتحكم المقاومة للتشويش، وتطوير برامج تدريب تعلي من مهارات اتخاذ القرار المستقل. بهذا يمكن للمبدأ أن يصبح أحد أدوات التكيف مع عصر الطائرات المسيرة والدقة العالية—ولكنه سيظل دائمًا توازنًا بين المرونة ومخاطر فقدان التنسيق.

اقرأ أيضاً

أوكرانيا تكشف نسخة مطوّرة من «Sea Baby» بمدى 1,500 كلم وحمولة كبيرة

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى