المحكمة العليا في عين العاصفة»: جدل قانوني محتدم حول مستقبل القضاء الأمريكي.
خبراء: القرارات الطارئة والملفات السياسية تُضعف ثقة الجمهور بالمؤسسة القضائية الأهم في البلاد.

وسط أجواء من التوتر السياسي والاستقطاب الحاد، احتدم نقاش قانوني نادر جمع بين نخبة من الأكاديميين والخبراء، ناقشوا خلاله المسار المتقلب للمحكمة العليا الأمريكية، خاصة في ظل دورة قضائية اعتُبرت من الأكثر إثارة للجدل خلال السنوات الأخيرة. وجاء هذا النقاش خلال جلسة حوارية عبر الإنترنت، أدارتها المحللة القانونية البارزة كيت شو، بمشاركة كل من البروفيسور ويل بود (جامعة شيكاغو) والبروفيسور ستيفن فلاديك (جامعة جورجتاون)، الذي تناول في كتابه الأخير “الملف السري” تحول المحكمة إلى ما يشبه «غرفة تحكم سياسية بلا شفافية».
تقييمات متباينة: أداء المحكمة “متماسك” أم “مُخيّب”؟
بدأ الحوار بسؤال بسيط لكنه جوهري: كيف تقيمون أداء المحكمة العليا هذا العام؟
بود أعرب عن ارتياحه النسبي، مانحاً المحكمة تقييماً بـ A-، معتبراً أن قراراتها «حاولت قدر الإمكان تجنب الانزلاق نحو التطرف».
فلاديك كان أكثر حذراً، مانحاً تقييماً “غير مكتمل”، مشيراً إلى أن العديد من القضايا الحاسمة ما زالت مفتوحة أو حُسمت بطرق غير تقليدية.
أما شو، فوصفت الدورة الأخيرة بـ”الرديئة للغاية”، مانحة تقييماً C-، وانتقدت «غياب الثبات والتوجه القضائي الواضح».
قضايا ترامب: اختبار شفاف للمحكمة… أم ورطة سياسية؟
النقاش سرعان ما تحوّل إلى الملفات المرتبطة بالرئيس ترامب، وتحديداً القضية الشهيرة “ترامب ضد CASA”، والتي تناولت شرعية أوامر إدارية بشأن الجنسية بالولادة.
فلاديك انتقد بشدة رأي القاضية آمي كوني باريت، واعتبر أن المحكمة تجاهلت حججاً قانونية قوية من ولايات متعددة، مما «يمهد لحصانة سياسية لا مبرر لها». وفي المقابل، بود دافع عن القرار، واعتبره “منطقياً من الناحية الدستورية”، وإن أقر بأن توقيت الحكم كان متأخراً جداً عن ما تقتضيه حساسية القضية.
الملف السري: القضاء في الظل
من أبرز المحاور التي طُرحت في النقاش ما يُعرف بـ**”الملف السري” (Shadow Docket)**، وهي قرارات تُتخذ بسرعة ودون شفافية كافية، ودون جلسات استماع علنية.
فلاديك – مؤلف كتاب حول الموضوع – عبّر عن قلق بالغ من تنامي استخدام هذا الأسلوب، واعتبره تقويضاً لمبدأ العلنية والمساءلة في النظام القضائي الأمريكي.
أما بود، فرأى أن الواقع السياسي والقانوني يفرض أحياناً السرعة في اتخاذ القرار، مضيفاً: “نحن في وسط فوضى قانونية، والمثالية قد لا تكون دائماً ممكنة”.
انقسام داخلي: هل فقدت المحكمة وحدتها؟
أثار المتحاورون أيضاً مسألة الاستقطاب الحاد بين قضاة المحكمة أنفسهم، حيث شهدت الدورة الأخيرة خلافات علنية غير معهودة.
فلاديك رأى أن الانقسامات داخل المحكمة تعكس بدقة الانقسام الأيديولوجي داخل المجتمع الأمريكي.
بود لم يُخفِ قلقه من تسييس النقاش العام حول المحكمة، لكنه أصر على أن القضاء ما زال “أكثر تماسُكاً مقارنةً بالمؤسسات الأخرى”.
نظرة إلى الأمام: هل تكون دورة 2026 أكثر اضطراباً؟
في ختام النقاش، حاول الضيوف التنبؤ بمستقبل المحكمة:
بود توقّع أن تنظر المحكمة في ملفات حساسة كالهجرة، الانتقام السياسي، والصلاحيات التنفيذية الواسعة.
أما فلاديك، فأبدى تخوفه من أن القضايا الطارئة لم تنته بعد، مشيراً إلى أن “هناك فواتير مؤسسية ستُدفع لاحقاً”.
الخلاصة:
ما بين طوفان القضايا السياسية، والقرارات العاجلة التي تصدر دون تبرير، والانقسام الحاد في داخل المحكمة، يبدو أن المحكمة العليا الأمريكية تدخل مرحلة إعادة تعريف مؤسسي غير معلن.
هل ستنجح في استعادة ثقة الجمهور؟ أم أن مسار التسييس سيُضعفها أكثر؟
الإجابات لا تزال معلّقة… ولكن الضغوط مستمرة.
أقرأ أيضاً:
أبواب السجون فُتحت.. لكن الجراح لم تُغلق.