البنتاغون يوقف شحنات أسلحة دقيقة لأوكرانيا: نقص المخزون أم تحول سياسي؟

في توقيت بالغ الحساسية، قررت وزارة الدفاع الأمريكية وقف شحنات من الصواريخ الدفاعية الجوية والأسلحة الدقيقة التي كانت مخصصة لأوكرانيا، في خطوة تعكس تحولًا واضحًا في أولويات الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب. يأتي القرار في ظل هجوم جوي روسي واسع النطاق على كييف ومدن أوكرانية أخرى، ويثير قلقًا متزايدًا في أوساط حلفاء واشنطن، إذ يعتبره البعض تمهيدًا لتقليص الدعم العسكري الغربي لكييف، وربما فتح باب لصفقة كبرى مع موسكو.
القرار تقني في ظاهره، حيث يستند إلى مراجعة داخلية لمخزونات البنتاغون من الذخيرة، لكن أبعاده السياسية والعسكرية تتجاوز ذلك بكثير، خصوصًا بعد اللقاء الأخير بين ترامب وزيلينسكي على هامش قمة الناتو في هولندا، والذي لم يسفر عن التزامات واضحة رغم لهجة ترامب المتعاطفة.
في هذا التقرير، نحلل حيثيات القرار الأمريكي، وخلفياته القانونية، وتداعياته المحتملة على مسار الحرب الأوكرانية، وعلاقة واشنطن المتوترة مع شركائها في حلف الناتو.
ما وراء القرار: مراجعة “نقص المخزون” أم أجندة سياسية؟
وفقًا لمصادر مطلعة، جاء قرار وقف الشحنات بناءً على مراجعة قادها إلبريدج كولبي، مسؤول السياسات في البنتاغون، الذي أشار إلى انخفاض مقلق في مخزونات الولايات المتحدة من قذائف المدفعية، وصواريخ الدفاع الجوي، والذخائر الموجهة بدقة. التحرك بدأ مبدئيًا في يونيو، لكنه دخل حيز التنفيذ مع تصاعد الهجمات الروسية مؤخرًا.
لكن القرار أثار علامات استفهام عديدة، لا سيما أنه جاء في وقت تتعرض فيه أوكرانيا لأعنف قصف جوي منذ بدء الغزو الروسي، إذ أطلقت موسكو أكثر من 477 طائرة مسيّرة و60 صاروخًا في هجمات منسقة، نجح الدفاع الجوي الأوكراني في صد نحو نصفها.
البيت الأبيض يدافع: “مصلحة أمريكا أولًا”
في تصريح رسمي، قالت آنا كيلي، نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض، إن القرار يأتي في إطار مراجعة شاملة لدعم واشنطن العسكري لحلفائها حول العالم، مؤكدة أن “قوة الجيش الأمريكي لا تُسأل، فقط اسألوا إيران”، في إشارة إلى رسائل ردع موجهة لخصوم الولايات المتحدة الإقليميين.
لكن هذا التبرير لم يطمئن حلفاء أوكرانيا في الكونغرس، إذ وصفت النائبة مارسي كابتور (الديمقراطية عن أوهايو) القرار بأنه “يهدد حياة الآلاف من الأوكرانيين”، وهاجمت المسؤول كولبي بحدة، مؤكدة أن أنظمة الدفاع الأمريكية “تنجح يوميًا في إنقاذ أرواح المدنيين والعسكريين في أوكرانيا”.
هل يكرر ترامب سيناريو 2019؟
القرار الأخير يعيد إلى الأذهان ما حدث في 2019 خلال إدارة ترامب الأولى، عندما جُمّد 214 مليون دولار من مساعدات أمنية أقرها الكونغرس لأوكرانيا، وهو ما اعتبر حينها خرقًا لقانون “التحكم في الحجز المالي”، وأدى إلى أزمة قانونية وسياسية كبرى.
اليوم، يرى خبراء قانونيون أن تكرار الأمر نفسه – أي تعطيل مساعدات أقرها الكونغرس بناءً على مراجعة سياسية داخلية – قد يمثل انتهاكًا قانونيًا جديدًا، لا سيما إن لم تُرفق الخطوة بإخطار رسمي للكونغرس، كما يتطلب القانون.
معضلة الإنتاج: حتى لو توفرت الأموال، الذخائر لن تُنتج بسرعة
يرى الخبير الدفاعي توم كاراكو أن القرار يعكس عمق الأزمة اللوجستية التي تواجهها واشنطن، مؤكدًا أن “غياب الدفاع الجوي لا يخسر المعركة فقط… بل يخسر الحرب سريعًا”. وكشف أن الجيش الأمريكي ضاعف بهدوء طلبه من صواريخ “باتريوت MSE”، لكن حتى مع التمويل، فإن الإنتاج سيستغرق شهورًا أو سنوات.
سياقات دولية ضاغطة: اليمن، إسرائيل، وأوكرانيا في قائمة الأولويات
بحسب مصادر مطلعة، بدأ البنتاغون منذ فبراير تقسيم الذخائر إلى فئات “حرجة” بسبب تزايد استهلاك صواريخ الدفاع الجوي في جبهات متعددة، أبرزها اليمن، حيث تشن القوات الأمريكية ضربات متكررة ضد الحوثيين. ومنذ مارس، قُدمت مقترحات متكررة لتجميد شحنات معينة وإعادة توجيهها إلى الداخل الأمريكي أو إلى إسرائيل.
هل تنجح أوكرانيا في تجاوز هذا النقص؟
على الرغم من أن القرار الأميركي لم يجمّد كافة المساعدات، إلا أن وقف الشحنات الأكثر تطورًا، مثل الصواريخ المضادة للطائرات، قد يجعل الدفاع الأوكراني هشًّا في وجه هجمات روسية مكثفة. ورغم وجود مساعدات ما زالت قيد التسليم بموجب تمويلات إدارة بايدن، إلا أنها قد تنفد في غضون أشهر، ما لم تُخصص دفعات جديدة.
في المقابل، أبدى ترامب انفتاحًا على إمكانية إرسال مزيد من أنظمة “باتريوت”، بقوله: “نحن نحاول أن نرى إن كنا نستطيع توفير بعض منها… إنها نادرة للغاية”، ما يشير إلى رغبة في التفاوض السياسي دون التزام مباشر.
خلاصة تحليلية
ما يجري ليس مجرد قرار لوجستي، بل مؤشر على تحول أعمق في المقاربة الأمريكية تجاه الحرب في أوكرانيا.
بين ضغوط تقليص الإنفاق، وانشغال واشنطن بجبهات أخرى، ورغبة ترامب في رسم مسار مختلف عن بايدن، تبدو المساعدات الأمريكية العسكرية لكييف مهددة أكثر من أي وقت مضى. فهل تنجح الإدارة الأمريكية في الموازنة بين أمن أوروبا ومصالحها الداخلية؟ أم أن القرار الأخير سيكون بداية انسحاب تدريجي من دعم أوكرانيا؟