عربي وعالمي

في قلب دبي.. إمبراطورية ترامب الرقمية تتوسع بغطاء حكومي إماراتي

في تطوّر يعكس التداخل المتزايد بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية لعائلة ترامب، أعلن أحد مؤسسي مشروع العملات الرقمية التابع للرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن صفقة مالية ضخمة بقيمة ملياري دولار مع صندوق استثماري مدعوم من حكومة أبوظبي، وذلك خلال مشاركته في مؤتمر “Token2049” للعملات المشفّرة في دبي. الحدث، الذي شهد حضور إريك ترامب وعدد من كبار المستثمرين، أثار جدلًا واسعًا بشأن تعارض المصالح واحتمال استغلال النفوذ السياسي في تعزيز مصالح تجارية خاصة.

وبحسب تقرير نشرته The New York Times بتاريخ 1 مايو 2025، فإن الصفقة تنص على استخدام العملة الرقمية المستقرة USD1، التابعة لشركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” المرتبطة بعائلة ترامب، في تنفيذ الاستثمار الذي يجمع بين صندوق MGX الإماراتي ومنصة Binance العالمية. وتأتي هذه الخطوة في وقت ما زال فيه ترامب الأب يروّج للعملات الرقمية في إطار حملته السياسية، وسط تساؤلات قانونية وأخلاقية متصاعدة حول شرعية استفادة شركته من علاقات دبلوماسية ومواقع رسمية.

ويرى مراقبون أن الصفقة تمثّل اختبارًا حاسمًا لمدى قدرة المؤسسات الرقابية الأميركية على الفصل بين الشأنين العام والخاص، في ظل محاولات متزايدة من أطراف أجنبية لبناء علاقات مالية مع أطراف مرتبطة مباشرة بالرئيس ترامب

صفقة ضخمة… وشراكة محفوفة بالجدل

في جلسة علنية على هامش مؤتمر العملات الرقمية “Token2049” في دبي، كشف زاك ويتكوف، أحد مؤسسي شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” التابعة لعائلة ترامب، أن صندوق الاستثمار الإماراتي “MGX”، سيعتمد عملة رقمية مستقرة طورها المشروع – وتحمل اسم “USD1” – لإتمام صفقة استثمارية ضخمة مع منصة “بينانس”، أكبر بورصة عملات رقمية في العالم. وتبلغ قيمة الصفقة 2 مليار دولار.

الصفقة، التي قد تدر على عائلة ترامب مئات الملايين من الدولارات، تشكل سابقة في التاريخ الأميركي الحديث، إذ تربط بشكل مباشر بين مصلحة تجارية خاصة لرئيس حالي وبين حكومة أجنبية، ما يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات أخلاقية وقانونية حول الاستغلال المحتمل للمنصب العام في تعزيز المكاسب الخاصة.

ملاحظات لافتة على منصة المؤتمر

المؤتمر الذي جمع أكثر من 10,000 مهتم بالعملات الرقمية من حول العالم، شهد ظهور إريك ترامب، نجل الرئيس الأميركي السابق، إلى جانب ويتكوف، حيث شاركا في جلسة نقاش كانت الأكثر ترقبًا في الفعالية.

ويتكوف، نجل مبعوث البيت الأبيض السابق إلى الشرق الأوسط، صرح من المنصة قائلاً: “نشكر MGX وبينانس على ثقتهم. هذه ليست إلا البداية”، وأضاف: “الإمارات واحدة من أكثر الدول ابتكارًا على وجه الأرض اليوم.”

في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجهات الثلاث المعنية: MGX، بينانس، وورلد ليبرتي.

ما وراء الستار: تزايد النفوذ وتضارب المصالح

الصفقة الأخيرة تمثل خطوة جديدة في سلسلة توسعات مثيرة للجدل لعائلة ترامب في منطقة الشرق الأوسط. فبعد إطلاق شركة العملات الرقمية “وورلد ليبرتي” في سبتمبر الماضي، باعت العائلة ما قيمته 550 مليون دولار من عملتها “WLFI”، مع تخصيص نسبة كبيرة من العائدات لصالح كيان تجاري مرتبط بعائلة ترامب.

وفي مارس، أطلقت الشركة عملة مستقرة جديدة “USD1″، تُستخدم في التعاملات الكبرى لثبات قيمتها مقابل الدولار الأميركي. ويُعتقد أن الاتفاق مع MGX يمنح “وورلد ليبرتي” حق الاحتفاظ بودائع تصل إلى ملياري دولار، وهو ما يمكن أن يدر عليها عشرات ملايين الدولارات سنويًا من عوائد الاستثمار.

علاقات مثيرة للشكوك مع أطراف دولية

كان لافتًا أن يجلس إلى جانب ويتكوف وإريك ترامب، المستثمر الصيني المثير للجدل جاستن سون، أحد كبار مالكي عملة “WLFI”، والذي خضع سابقًا لدعوى قضائية من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بتهمة التلاعب بأسعار العملات الرقمية. وقد أثنى ويتكوف عليه قائلًا: “TRON تكنولوجيا مذهلة، ونحن محظوظون بالشراكة معك”.

من جهة أخرى، يُذكر أن مؤسس “بينانس”، تشانغ بينغ تشاو، لا يزال يسعى للحصول على عفو رئاسي بعد قضائه عقوبة بالسجن إثر إدانته بخرق قوانين مكافحة غسيل الأموال الأميركية في 2023.

أبعاد سياسية حادة وصمت رسمي

زيارة ترامب المرتقبة إلى الخليج، والتي تشمل السعودية وقطر والإمارات خلال أسبوعين، تأتي وسط تصاعد الأسئلة حول مدى تأثير هذه المصالح التجارية على السياسة الخارجية الأميركية. ويترأس صندوق MGX الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، والذي كان قد زار واشنطن في مارس للقاء ترامب وكبار مستشاريه.

المراقبون يرون في استخدام “USD1” في الصفقة مع “MGX” و”بينانس”، دليلاً إضافيًا على محاولة ربط الثقل السياسي لترامب بشبكة مصالح مالية عابرة للحدود، وسط رقابة محدودة من الجهات التنظيمية الأميركية.

رؤية مستقبلية تحمل الكثير من المخاطر

في ختام الجلسة، توقع ويتكوف أن تشهد عملة USD1 توسعًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة، قائلاً: “قد تستخدم هذه العملة قريبًا في فنادق الإمارات”، ليقاطعه إريك ترامب قائلًا: “لن تستخدمها في الفورسيزون، بل في فندق وبرج ترامب إنترناشونال”.

الرسالة كانت واضحة: التحالف بين رأس المال السياسي والتقني لعائلة ترامب في طريقه ليصبح حجر زاوية في علاقات دولية معقدة… ما ينذر بمزيد من الجدل الداخلي والدولي حول معايير الشفافية والأخلاقيات الرئاسية.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى