مرأة ومنوعات

ثلاث سنوات بين الأمومة والكتابة… دروس من التجربة الشخصية والمهنية

رحلة الأمومة والكتابة: دروس وعبر من تجربة صحفية بريطانية مؤثرة

قبل ثلاث سنوات ونصف، كتبت الصحفية البريطانية ريانون لوسي كوسليت أول جملة في سلسلتها عن الأمومة: “إذا كنت تقرأ هذا، فهذا يعني أنني أصبحت أمًا لتوي”. كانت قد أعدّت مجموعة مقالات مسبقة للنشر تحسبًا لولادة طفلها، لكن وصوله المفاجئ قبل خمسة أسابيع من الموعد، وصعوبة التجربة، جعلاها تواصل الكتابة حتى من المستشفى، غير قادرة على الابتعاد عن التوذيق.

دروس وعبر

اليوم، وهي تراجع ما كتبته خلال تلك السنوات، تعترف بأن بعض أفكارها ومواقفها لم تكن صائبة بالكامل. تقول إنها أخطأت حين تعاملت بسخرية مع فكرة “الفطام بقيادة الطفل” (Baby-Led Weaning)، إذ منعتها مخاوفها المبالغ فيها من تجربة السماح لابنها بالتعامل مع قطع طعام كبيرة في عمر ستة أشهر، خاصة أنه كان مولودًا قبل أوانه.

التراجع عن بعض الآراء

كما تعترف بخطأ التقليل من أهمية “وقت البطن” (Tummy Time)، الذي يساعد على تطوير عضلات الأطفال، خصوصًا لدى من لديهم إعاقات. كذلك، كانت ستعيد صياغة مقال كتبته عن خصوصية أجواء الكريسماس مع وجود طفل، بعدما تلقت رسالة من امرأة فقدت جنينها شعرت بالألم من قراءة تلك السطور.

تمسك بآراء أخرى

لكن إلى جانب ما تراجعت عنه، تظل كوسليت متمسكة بآراء أخرى: ترى أن إجازة الأبوة لمدة أسبوعين في بريطانيا أمر “مخجل”، وأنه لا يمكن للآباء “امتلاك كل شيء” على غرار الخطاب الموجه للأمهات، وأن سياسات تشجيع الرضاعة الطبيعية تهمّش الصحة النفسية للأمهات ولا تحقق نتائج فعّالة، وأن مشكلات نوم الأطفال لا حل سحري لها.

الكتابة كأرشيف للحظات لا تتكرر

وحتى في التفاصيل الطريفة، لم تتغير مشاعرها السلبية تجاه شخصية “بيل تومسون” من مسلسل الأطفال بوستمان بات، رغم حب ابنها لشخصيات العمل. الكتابة كأرشيف للحظات لا تتكرر أكبر الدروس التي خرجت بها الكاتبة من هذه التجربة، أن تحذيرات القرّاء كانت صحيحة: السنوات الأولى من حياة الطفل تمر بسرعة مذهلة، ورغم صعوبتها، ستشتاق الأم لاحقًا إلى تفاصيلها.

الواقع خلف الكواليس

ترى أن الكتابة كانت بمثابة وسيلة لتجميد الزمن، تحفظ الأصوات والروائح والانطباعات الصغيرة التي كانت ستتلاشى من الذاكرة. رسائل القرّاء الذين عاشوا نفس التجربة أو استعادوها من خلال مقالاتها، جعلتها تشعر بأن عملها لم يكن مجرد حكي شخصي، بل بناء لجسر من الذاكرة المشتركة.

الأمومة في السرد النسوي المعاصر

تتحدث كوسليت عن الأيام الأولى بعد الولادة: كانت تكتب وهي منهكة، أحيانًا فيما طفلها يبكي في الغرفة الأخرى تحت رعاية زوجها أو والدتها. كلاهما، كما تقول، قدّم “العمل غير المرئي” الذي سمح بصدور هذه المقالات. اعتقدت بسذاجة أن الكتابة مع مولود جديد ستكون سهلة، لكنها سرعان ما اصطدمت بحقيقة الإرهاق البدني والذهني.

التضامن المجتمعي في رحلة التربية

رغم الانتقادات التي تتعرض لها الكاتبات حين يكتبن عن الأمومة، معتبرين أنهن يتصرفن كأنهن أول من أنجب، ترى كوسليت أن كتابة النساء عن هذه التجربة ما تزال في مراحلها الأولى تاريخيًا، إذ حُرمت النساء لقرون من التعليم والكتابة، وكانت المعرفة تنتقل شفهيًا بين الأمهات والبنات.

ختام التجربة… وامتنان للجمهور

عند اختيار مقالات السلسلة لتجميعها في كتاب، وجدت أن الخيط الناظم بينها جميعًا هو أهمية التضامن المجتمعي في رحلة التربية. القراء لم يكونوا مجرد متلقين، بل جزء من التجربة، سواء عبر النصائح، أو الحكايات المؤثرة مثل الجد الذي يرقص مع حفيدته لأنه يعلم أنه لن يحضر زفافها، أو الأب الذي رأى أن التربية الحقيقية تبدأ في سن المراهقة.

تختم كوسليت بالتأكيد أن هذه الرحلة كانت مشتركة، وأنها مدينة بالشكر لكل من شاركها الرأي أو التجربة أو حتى الاختلاف. الأمومة، بالنسبة لها، لم تكن فقط قصة شخصية، بل مساحة للتعلم الجماعي وتبادل الحكمة بين أجيال مختلفة من الآباء والأمهات.

اقرا ايضا

حملة RFK Jr لحظر الأصباغ الصناعية تثير جدلاً واسعاً في أمريكا 

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى