الوكالات

مأساة ترام لشبونة: كارثة تهز البرتغال وتثير أسئلة عن الأمان العام

في مشهد مأساوي يعكس قسوة الصدفة وضعف البنية التحتية، تحولت رحلة سياحية اعتيادية في شوارع لشبونة القديمة إلى كارثة إنسانية هزّت البرتغال وأثارت صدمة على مستوى عالمي. فقد اصطدم ترام تاريخي في حي شعبي بأحد المباني بعد أن انقطع كابل التعليق الخاص به، مما أدى إلى مقتل 16 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 40 آخرين بجروح متفاوتة، بينهم سائحون بريطانيون جاءوا لاكتشاف سحر العاصمة البرتغالية.

الواقعة لم تكن مجرد حادث سير مأساوي، بل مثلت لحظة اختبار لسلطات البلاد التي سارعت بإعلان الحداد وإطلاق تحقيق موسع حول أسباب الحادث، وسط جدل متصاعد بشأن إجراءات السلامة وتاريخ التحذيرات من مشاكل فنية سابقة في شبكة الترام. الحادثة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا على السكان، فيما تحولت الكنائس إلى ساحات عزاء جماعي تعكس حجم الحزن العام. وبينما يتابع العالم تداعيات المأساة، تبقى الأسئلة قائمة: هل كان بالإمكان تجنب ما حدث؟ وهل تمثل هذه الحادثة نقطة تحول في نظرة البرتغاليين إلى وسائل النقل التقليدية التي طالما اعتبرت رمزًا لمدينتهم؟

 

تفاصيل المأساة وعدد الضحايا

 

القطار الكهربائي القديم كان ممتلئًا بالركاب، معظمهم من السياح، حينما فقد السيطرة فجأة في أحد المنحدرات الشهيرة في لشبونة. لحظة الاصطدام بالمبنى كانت كفيلة بإحداث دمار واسع ومشهد دموي، حيث لقي 16 شخصًا مصرعهم على الفور بينهم أربعة بريطانيين، بينما أصيب أكثر من 40 آخرين بعضهم في حالة حرجة. فرق الإنقاذ واجهت صعوبة في انتشال الركاب بسبب حطام الترام وضيق الشارع التاريخي، ما زاد من هول المأساة وأبطأ عمليات الإغاثة.

اصطدام ترام قديم بلشبونة يودي بـ16 قتيلًا وأكثر من 40 مصابًا

هوية الضحايا وصدى عالمي

 

الضحايا لم يكونوا فقط من سكان المدينة، بل شملوا سائحين من بريطانيا ودول أوروبية أخرى، ما جعل الكارثة ذات صدى دولي واسع. وزارة الخارجية البريطانية أكدت مقتل أربعة من مواطنيها وإصابة آخرين، فيما أبدت حكومات أوروبية تضامنها مع لشبونة. المأساة ألقت بظلالها على صورة البرتغال كوجهة سياحية آمنة، وأثارت تساؤلات حول معايير السلامة في وسائل النقل العامة التي تجذب ملايين السياح سنويًا.

 

استجابة السلطات والحداد الوطني

 

الحكومة البرتغالية تحركت بسرعة، إذ أعلن رئيس الوزراء أنطونيو كوستا حالة الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، ووجه وزراءه لتقديم كل الدعم لعائلات الضحايا. السلطات المحلية في لشبونة أغلقت مؤقتًا خط الترام المتضرر وبدأت بمراجعة شاملة لشبكة النقل العام. مشاهد الحزن طغت على العاصمة، حيث نُكست الأعلام وخصصت الكنائس قداسات خاصة للضحايا، ما منح الحادثة بعدًا وطنيًا يتجاوز حدود المدينة.

 

مسار التحقيقات الأولية

 

التحقيقات الأولية تشير إلى أن الحادث نتج عن انقطاع في كابل الترام الرئيسي، وهو ما أدى إلى فقدان السيطرة الكاملة عليه. المدعي العام أعلن فتح تحقيق جنائي لتحديد المسؤوليات، بينما أكدت الشرطة أن جميع الفرضيات قيد الدراسة، بما في ذلك احتمالية الإهمال في الصيانة أو عيوب التصميم. خبراء السلامة أشاروا إلى أن نظام الكابلات في بعض عربات الترام التاريخية يعاني من ضعف ويحتاج إلى تحديث عاجل.

 

شهادات وتحذيرات سابقة

 

اللافت أن بعض العاملين في شركة النقل الحكومية كانوا قد حذروا سابقًا من مخاطر متكررة تتعلق بتقادم بعض المكونات الفنية. صحيفة “إكسبرسو” البرتغالية نقلت عن موظفين قولهم إنهم تقدموا بشكاوى عن مشاكل متكررة في كابلات الترام، لكن استجابت الشركة كانت محدودة. هذه الشهادات فتحت الباب واسعًا أمام جدل عام حول مدى إهمال التحذيرات السابقة، وهل يمكن اعتبار ما جرى نتيجة حتمية لسوء الإدارة.

 

موقف شركة النقل Carris

 

شركة “Carris” المشغلة لشبكة الترام دافعت عن نفسها، مؤكدة أن العربات تخضع لعمليات صيانة منتظمة وأن ما حدث كان “حادثًا استثنائيًا غير مسبوق”. لكن خبراء نقل عام شككوا في هذه الرواية، مشيرين إلى أن وتيرة الصيانة لا تكفي مع الضغط السياحي الكبير، وأن الاعتماد على عربات قديمة في مسارات مزدحمة يشكل خطرًا متزايدًا. الشركة تواجه الآن ضغطًا شعبيًا وإعلاميًا غير مسبوق، وقد تجد نفسها أمام دعاوى قضائية واسعة.

 

البعد الإنساني والديني

 

وسط الحزن العارم، أقيم قداس جماعي في كنيسة قريبة من موقع الحادث، حضره مئات الأشخاص بمن فيهم عائلات الضحايا وقيادات سياسية محلية. المشهد عكس حجم الفاجعة التي حولت رمزًا حضاريًا للمدينة إلى مصدر ألم جماعي. عبارات التضامن تدفقت من السكان الذين توافدوا بالورود والشموع إلى موقع الحادث، في مشهد وحد المجتمع البرتغالي على وقع المأساة.

اقرأ أيضاً

مركز السيطرة على الأمراض في أزمة: من هم كبار المسؤولين الذين استقالوا أو أُجبروا على المغادرة؟

تداعيات مستقبلية على السياحة والثقة العامة

 

الحادث قد يترك آثارًا طويلة الأمد على صورة البرتغال السياحية، خاصة وأن الترام كان أحد أبرز معالمها التي تميزها عن غيرها من العواصم الأوروبية. كما أن ثقة المواطنين في وسائل النقل العامة قد تهتز بشدة، ما سيضع ضغوطًا إضافية على الحكومة لإطلاق خطط تحديث عاجلة لشبكات النقل. في المقابل، يرى محللون أن سرعة استجابة السلطات وشفافية التحقيقات قد تساعد في احتواء التداعيات وإعادة بناء الثقة.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى