الوكالات

احتجاجات المغرب.. صرخة الجيل Z بين الملاعب والمستشفيات

تشهد مدن المغرب منذ أربعة أيام موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات، قادها شباب “الجيل Z” الغاضبون من السياسات الحكومية التي يرونها منحازة لمشاريع ضخمة مثل ملاعب كأس العالم 2030 على حساب الخدمات الاجتماعية الأساسية. شوارع المدن المغربية امتلأت بآلاف المتظاهرين الذين يرفعون شعارات تندد بالوضع المتدهور في المستشفيات والمدارس، وسط مواجهات عنيفة مع قوات الأمن أسفرت عن إصابات واعتقالات بالجملة. الاحتجاجات، التي تُعد من الأكبر منذ سنوات، تكشف عن تصاعد الهوة بين جيل رقمي جديد أكثر وعيًا بحقوقه، وحكومة تحاول الموازنة بين استثمارات رياضية عالمية وإصلاحات اجتماعية طال انتظارها. ومع تزايد الدعوات الدولية لتهدئة الأوضاع، يتضح أن الأزمة المغربية ليست مجرد غضب عابر، بل تعبير عن جيل يطالب بمستقبل أفضل وحقوق أساسية يرى أنها باتت مهددة.

 

غضب الجيل الجديد يملأ الشوارع

 

اندلعت الاحتجاجات في مدن عدة من المغرب، لتدخل ليلتها الرابعة على التوالي وسط تصاعد الغضب الشعبي. المتظاهرون، ومعظمهم من الشباب، رفعوا شعارات تندد بإنفاق المليارات على مشاريع كأس العالم 2030، في وقت تعاني فيه المستشفيات والمدارس من نقص حاد في الإمكانات. ورغم وعود الحكومة المتكررة بتحسين الخدمات الاجتماعية، فإن هذه الوعود لم تعد قادرة على إخماد غضب جيل متصل بالإنترنت يرى أن صوته لا يجد آذانًا صاغية. المشهد في الشوارع عكس غضبًا تراكم منذ سنوات، لكنه انفجر الآن بشكل منظم، يقوده شباب استلهموا تجارب احتجاجية مشابهة في دول نامية أخرى مثل نيبال ومدغشقر.

احتجاجات شبابية بالمغرب رفضًا للأولويات الحكومية بين الملاعب والمستشفيات

مواجهات واعتقالات بالجملة

 

تصاعدت حدة التوتر في مدن مثل أوجدة وإنزكان وأيت عميرة، حيث تحولت المظاهرات إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن. تقارير حقوقية محلية تحدثت عن دهس متظاهر بسيارة شرطة في أوجدة، بينما وثقت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى إقدام محتجين على رشق قوات الأمن بالحجارة وإشعال النيران في مركبات. وزارة الداخلية المغربية أعلنت اعتقال أكثر من 400 شخص خلال الأيام الماضية، مؤكدة أنها ستتعامل بـ”صرامة وحزم” مع أي خرق للقانون. كما أشارت الوزارة إلى إصابة 263 عنصر أمن وتضرر 142 مركبة تابعة للشرطة، إضافة إلى عشرات الإصابات في صفوف المدنيين، ما يكشف عن اتساع رقعة المواجهات.

أصوات حقوقية تدعو للتهدئة

 

في ظل استمرار القمع الأمني، دخلت منظمات حقوقية دولية على خط الأزمة. منظمة العفو الدولية طالبت السلطات المغربية بالاستماع لمطالب الشباب بدلاً من مواجهتهم بالاعتقالات. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أعلنت من جانبها أن عشرات المعتقلين بينهم قاصرون سيُعرضون على المحاكمة، مشيرة إلى أن أعداد الموقوفين تتجاوز المئات. في المقابل، دعا منظمو حركة “Gen Z212” عبر منصات مثل “تيك توك” و”ديسكورد” المتظاهرين إلى الحفاظ على سلمية تحركاتهم، مؤكدين أن مطالبهم “شرعية وتمثل حقًا أصيلًا في التعليم والصحة والحياة الكريمة”. هذه البيانات وجدت صدى واسعًا بين الشباب الغاضب، لكنها لم تمنع اتساع دائرة الاحتجاجات.

 

شعار واحد يتردد: “أين المستشفيات؟”

 

أحد أبرز شعارات المحتجين تمثل في المقارنة بين الملاعب الحديثة والمستشفيات المتهالكة. “الملاعب هنا، فأين المستشفيات؟” هكذا هتف آلاف المغاربة، مستشهدين بحادثة وفاة ثماني نساء في مستشفى عمومي بمدينة أغادير، والتي تحولت إلى رمز لانهيار المنظومة الصحية. هذه الحادثة فجرت الغضب الشعبي وأعطت بعدًا إنسانيًا للاحتجاجات، جعلها أكثر انتشارًا وتأييدًا بين شرائح مختلفة من المجتمع. ومع بروز دعم رموز مؤثرة مثل حارس المنتخب ياسين بونو، والمغني الشهير “إلغراند توتو”، اكتسبت الحركة زخمًا متزايدًا جعلها تتجاوز حدود الاحتجاجات العفوية لتتحول إلى موجة منظمة لها تأثير واسع.

شعار “أين المستشفيات؟” أشعل احتجاجات المغرب بعد وفاة نساء في أغادير، مدعومًا بتأييد رموز فنية ورياضية بارزة.

الحكومة بين النفي والوعود

 

في مواجهة تصاعد الغضب الشعبي، نفت الحكومة المغربية أن تكون قد أعطت أولوية لبناء ملاعب كأس العالم على حساب الخدمات الأساسية. مسؤولون حكوميون ألقوا باللوم على “تراكم أزمات قديمة” ورثوها عن إدارات سابقة، مشيرين إلى أن إصلاح قطاع الصحة على رأس أولويات الحكومة الحالية. البرلمان المغربي أعلن عقد جلسة استثنائية برئاسة رئيس الوزراء عزيز أخنوش لمناقشة خطة عاجلة لإصلاح المستشفيات وتطوير البنية الصحية. لكن الشارع المغربي، الذي لم يعد يثق كثيرًا بالوعود السياسية، ينتظر إجراءات ملموسة تترجم على الأرض، في وقت يبدو فيه أن الأزمة أعمق من مجرد أزمة قطاع صحي، بل أزمة ثقة شاملة بين الدولة وجيل جديد يرفض التهميش.

 

ما بين الملاعب والمستشفيات.. مستقبل المغرب على المحك

 

الأحداث التي يشهدها المغرب تكشف عن صراع أولويات بين الاستثمار في صورة رياضية عالمية، وبين تلبية الحاجات الاجتماعية الملحة. وبينما ترى الحكومة في كأس العالم فرصة ذهبية لجذب الاستثمارات وتلميع صورة البلاد، يصر الشباب على أن مستقبلهم لا يُبنى على الملاعب بل على مدارس حديثة ومستشفيات لائقة. ومع تزايد الضغوط الدولية والمحلية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستستجيب الدولة لمطالب الجيل الجديد وتعيد رسم سياساتها الاجتماعية، أم ستستمر في مسار قد يعمق الهوة بين السلطة والمجتمع؟ المغرب اليوم أمام مفترق طرق حاسم قد يحدد شكل العلاقة بين الدولة ومواطنيها لعقود مقبلة.

اقرا ايضا

التوحد.. مسارات متعددة وراء التشخيص المبكر والمتأخر

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى