ميتا في مواجهة أوروبا: معركة الشفافية والإعلانات السياسية تشتعل
بين حماية الديمقراطية وحرية التعبير.. قوانين الاتحاد الأوروبي تضع عمالقة التكنولوجيا في مأزق.

في بيان رسمي أثار جدلاً واسعاً، اعتبرت شركة “ميتا” أن تشريعات الاتحاد الأوروبي الجديدة المتعلقة بتنظيم الإعلانات السياسية تفرض “تحديات تشغيلية كبيرة وغموضاً قانونياً”. وأشارت إلى أن هذه اللوائح قد تؤثر على حرية التعبير وتقلل من قدرة المواطنين على الوصول إلى معلومات سياسية واجتماعية مهمة بطرق فعّالة ومنخفضة التكلفة.
ورغم أن القرار الأوروبي لا يمنع تداول المحتوى السياسي على المنصات، بل يقتصر فقط على الإعلانات المدفوعة، إلا أن “ميتا” قررت سحب هذه الإعلانات بالكامل من السوق الأوروبية.
خطوة مشابهة من غوغل: انسحاب استباقي من سوق الإعلانات السياسية
هذا القرار من “ميتا” يأتي على خُطى شركة “غوغل”، التي أعلنت العام الماضي وقف الإعلانات السياسية في الاتحاد الأوروبي تحسباً لتطبيق القانون ذاته. ووصفت “ميتا” الوضع بأنه استمرار لاتجاه تنظيمي يؤدي إلى “انسحاب المنتجات والخدمات الشعبية من السوق الأوروبية”، مما يقلل من خيارات المستخدمين ويضر بالمنافسة.
تشريع مثير للجدل: حماية ديمقراطية أم تقييد إعلامي؟
في المقابل، ترى المؤسسات الأوروبية أن هذا القانون يمثل خطوة حاسمة لمكافحة التضليل الإعلامي والهجمات السيبرانية والتدخلات الأجنبية في العمليات الانتخابية. وتنص اللائحة الجديدة على الإفصاح عن الجهة الممولة لأي إعلان سياسي، وطريقة استهداف الجمهور، ومدى استخدام البيانات الشخصية. ويعتبر مؤيدو القانون أنه يعزز الشفافية ويخدم نزاهة العملية الديمقراطية، فيما تعتبره شركات التكنولوجيا مثل “ميتا” تهديداً للتوازن بين حماية المستخدمين وتشجيع الابتكار.
قوانين رقمية متعددة تضع عمالقة التكنولوجيا تحت المجهر
القانون الجديد ليس وحيداً في ساحة المواجهة. إذ يتزامن مع دخول “قانون الأسواق الرقمية” (DMA) و”قانون الخدمات الرقمية” (DSA) حيز التنفيذ، واللذَين يخضعان حالياً لتحقيقات تشمل “ميتا” بوصفها من أبرز المتهمين بانتهاك قواعدهما.
توتر عبر الأطلسي: تصاعد الاحتكاك بين بروكسل ووادي السيليكون
التوتر المتزايد بين “ميتا” والاتحاد الأوروبي يعكس أيضاً تحولاً في الموقف السياسي بعد عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. إذ أصبحت الشركة أكثر جرأة في انتقاد “الحمائية الرقمية الأوروبية”. وكانت إدارة ترامب السابقة قد اعتبرت هذه القوانين تهديداً مباشراً لنفوذ الشركات الأمريكية في السوق الأوروبي.
وفي خطوة رمزية أخرى، رفضت “ميتا” مؤخراً التوقيع على “مدونة السلوك الأوروبية للذكاء الاصطناعي”، مشيرة إلى افتقارها للوضوح القانوني، على عكس شركات أمريكية أخرى مثل “OpenAI” و”Anthropic” التي التزمت بالتوقيع.
لحظة فاصلة: إعادة تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة
انسحاب “ميتا” من الإعلانات السياسية في أوروبا ليس مجرد اعتراض تنظيمي، بل يعكس تصعيداً سياسياً وتجارياً قد يعيد رسم العلاقة بين شركات التكنولوجيا العملاقة وصنّاع القرار الأوروبيين. ورغم ما تراه “ميتا” من تهديدات لحرية التعبير والإبداع الرقمي، فإن تجاهل حاجة المجتمعات لمزيد من الشفافية والمساءلة قد يكون له ثمن باهظ على استقرار الأنظمة الديمقراطية.
وفي ظل اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي، يصبح تأمين نزاهة المعلومات الرقمية أمراً لا يمكن التهاون فيه — حتى لو تطلب ذلك التضحية بعائدات إعلانية ضخمة.
أقرأ ايضاً:
xAI تسعى لتقييم 200 مليار دولار رغم العواصف: ماسك يواصل الرهان على الذكاء الاصطناعي.