عربي وعالمي

بريطانيا أمام “الضرائب الحتمية”: لماذا لا مفر من قرارات مؤلمة لدعم النمو واستعادة الاستقرار

قانون الرعاية الاجتماعية يثير الجدل في بريطانيا

بعد أيام قليلة من الفوضى التي شهدها البرلمان البريطاني إثر التمرد النيابي على مشروع إصلاحات الرعاية الاجتماعية، عاد الجدل السياسي سريعًا ليركز على كيفية حدوث هذه الأزمة لا على جوهرها الاقتصادي.

لكن تجاهل “ما حدث فعلًا”، وتأجيل الاعتراف بحقائق الواقع المالي، سيكون خطأً مكلفًا، لا لبس فيه.

فبينما تعاني العديد من الدول الغربية من أزمات مالية متفاقمة، فإن الضغوط المالية على بريطانيا باتت أكثر إلحاحًا وخطورة، ولا يمكن مواجهتها إلا عبر قرارات جريئة، تتضمن – عاجلًا أو آجلًا – رفع الضرائب.

أزمة متجذرة.. والضرائب وحدها لم تعد كافية

خلال السنوات الماضية، تآكل النمو الاقتصادي البريطاني في ظل ارتفاع مستمر للإنفاق العام، لا سيما بعد الجائحة.
ورغم أن الحكومة لجأت لزيادات ضريبية ملموسة، فإنها فشلت في كبح جماح المديونية العامة، مما جعل البلاد أكثر عرضة لتحولات الأسواق العالمية، خاصة في سوق السندات.

وفي أحدث تقييم، حذر “مكتب مسؤولية الميزانية” البريطاني من أن الدين العام في البلاد يهدد بـ”تآكل كبير” في قدرة الدولة على مواجهة أي صدمات مستقبلية.

فقدان السيطرة على السردية الاقتصادية

من الواضح أن صانعي السياسات الاقتصادية في بريطانيا فشلوا في إعادة بناء مصداقيتهم أمام البرلمان والأسواق.
ومع تضاؤل الثقة في قدرتهم على استعادة النمو أو السيطرة على الدين، باتت الحكومة عرضة للاضطرابات السياسية والانقسامات الداخلية.

لكن بريطانيا ليست وحدها في هذه الأزمة. ففي الولايات المتحدة، مرّر الكونغرس ما يسميه ترامب “مشروع القانون العظيم”، بينما وصفه إيلون ماسك بأنه “جنوني ومدمّر”، في ظل مديونية ضخمة وأداء اقتصادي هش.

البيئة الاقتصادية لا تحتمل التأجيل

ما يعقد الوضع أكثر هو أن هذه اللحظة الحرجة تأتي في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار التضخم فوق مستهدفات البنوك المركزية، ما يعني أن السياسات المالية لم تعد تملك هامش المناورة السابق.

وقد أصبحت فكرة “الإنفاق عالي السرعة” – التي روّج لها مؤيدو نظرية النقود الحديثة – من الماضي البعيد، إذ ثبت أن الفوضى المالية تُنتج هشاشة لا نموًا.

المطلوب: ثلاث خطوات جريئة

من هنا، يرى العريان أن على الحكومة البريطانية التوقف عن المناورات السياسية، والبدء في استعادة السيطرة على الخطاب المالي – والنمو – من خلال ثلاثة مسارات:

الاعتراف الصريح بأن المرحلة تتطلب إعادة النظر في وعود الانتخابات المتعلقة بالضرائب، سواء على الدخل أو ضريبة القيمة المضافة أو اشتراكات التأمين الوطني.

إعادة تركيز السياسة الاقتصادية حول الابتكار، عبر تبني خطة هجومية لدعم القطاعات التكنولوجية والعلوم الحيوية.

تحسين جودة التواصل الاقتصادي مع الرأي العام والشركات، لبناء توافق مجتمعي حول الإصلاحات المطلوبة.

فرص كامنة وسط السحب الداكنة

ورغم قتامة الصورة، ثمة جوانب مضيئة. فبريطانيا تملك تفوقًا عالميًا في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والعلوم الحيوية. والمطلوب فقط هو خطة استراتيجية لتوسيع نطاق هذه الميزات وربطها بمنظومات إنتاجية متكاملة، حتى لا تهاجر هذه الصناعات للولايات المتحدة.

كما أن الأسواق، رغم اهتزازاتها الأخيرة، أظهرت قدرة واضحة على التمييز بين مخاطر الدين السيادي ومتانة القطاع الخاص، ما يوفّر متنفسًا للاستثمار المؤسسي.

لا وقت للمراوغة السياسية

في النهاية، يشدد العريان على أن تأجيل الاعتراف بالحقيقة – وهي حتمية رفع الضرائب – لن يؤدي سوى إلى مزيد من الضرر في الإنفاق الاستهلاكي، وتراجع استثمار الشركات، وتباطؤ النمو العام.

وإذا لم تُستغل نافذة الابتكار الحالية لتعزيز الاستقرار، فإن الشركات البريطانية نفسها قد تصبح أكثر عرضة لما يسميه “تلوث السيادة”، أي انتقال عدوى الدين الحكومي إلى القطاع الخاص.

وهو ما سيكون – باختصار – آخر ما تحتاجه حكومة ريشي سوناك، وأخطر ما يمكن أن تواجهه بريطانيا في مرحلة ما بعد البريكست.

رحمة عماد

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى