رئيسه المكسيك ترفض أوامر ترامب العسكرية: لا مكان للقوات الأمريكية على أرضنا
صراع السيادة: المكسيك ترفض التدخل العسكري الأمريكي

في مشهد يعيد إلى الأذهان أكثر فصول التاريخ الأمريكي-اللاتيني توترًا، أعلنت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم رفضها القاطع لأي تدخل عسكري أمريكي في بلادها، وذلك بعد أن وجّه الرئيس دونالد ترامب وزارة الدفاع (البنتاغون) لاستهداف كارتلات المخدرات، التي وصفها بأنها “منظمات إرهابية”. التقرير المنشور في The New York Times بتاريخ 8 أغسطس 2025 يرصد الانفجار المفاجئ في العلاقات بين واشنطن والمكسيك، وسط تحذيرات من أن أي تحرك عسكري منفرد من قبل الولايات المتحدة قد يعيد العلاقات الثنائية إلى “أسوأ نقطة منذ عقود”. وبينما تفتخر المكسيك بتحقيق إنجازات في مكافحة المخدرات بالتعاون مع واشنطن، ترى في التلويح بالقوة العسكرية تهديدًا مباشرًا لسيادتها وتاريخها.
خطاب حازم: لا غزو، لا تفاهم، لا اتفاق
رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم لم تترك أي هامش للتأويل. في مؤتمر صحفي صبيحة الجمعة، قالت بوضوح: “الولايات المتحدة لن تدخل المكسيك عسكريًا، نحن نتعاون ونتشاور، لكن الغزو مرفوض تمامًا”. موقفها هذا لم يكن مجرد رد دبلوماسي، بل تعبير عن خطوط حمراء لا تقبل المساومة، خاصة في بلد يتذكر بمرارة تواريخ الغزوات الأمريكية السابقة، من الحرب المكسيكية-الأمريكية إلى تدخلات منتصف القرن الماضي. ورغم تطمينات من بعض المسؤولين الأمريكيين بأن الأمر التنفيذي لا يشمل نشر قوات في الأراضي المكسيكية، أفادت مصادر مطلعة أن الحكومة المكسيكية تفاجأت بالتوجيه، ما زاد من حدة التوتر.
إنجازات أمنية تتبخر أمام سياسة أمريكية متفردة
تزامن التصعيد مع ما اعتبره الجانبان – حتى وقت قريب – نقطة تحول إيجابية في التعاون الأمني. فقد أطلقت إدارة شينباوم حملة قوية ضد كارتل سينالوا، أحد أبرز منتجي الفنتانيل في العالم، ما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوفه. وأشادت السفارة الأمريكية في مكسيكو، عبر سفيرها رونالد جونسون، بما وصفه بـ”انخفاض بنسبة 50٪ في كميات الفنتانيل المضبوطة”، عازيًا ذلك إلى “تعاون غير مسبوق” بين الجانبين. لكن كل هذا قد يُنسف بضغطة زر، إذا أقدمت واشنطن على تنفيذ عمليات عسكرية دون تنسيق كامل، سواء عبر نشر قوات أو استخدام طائرات مسيرة هجومية.
من كابوس تاريخي إلى أزمة دبلوماسية وشيكة
الهاجس الأكبر في المكسيك ليس فقط ما يمكن أن تفعله الطائرات أو الجنود الأمريكيون، بل الرمزية التاريخية لذلك. “هذا ليس أفغانستان”، كما قال أرتورو روشا، المسؤول السابق في الخارجية المكسيكية، مضيفًا: “المكسيك ليست دولة فاشلة يمكن التدخل فيها كما يشاؤون”. فالمجتمع المكسيكي يرى في أي وجود عسكري أمريكي مساسًا مباشرًا بالسيادة، ومن شأنه أن يفجر موجة غضب شعبي، لا سيما في ظل تصاعد النزعة القومية داخل المكسيك. وقد حذر المحللون من أن أي تدخل قد يُضعف موقف شينباوم داخليًا، رغم شعبيتها المرتفعة التي تبلغ 75%، ويؤدي إلى انقسامات داخل حزبها الحاكم.
دبلوماسية تمهّد، وعسكر يتأهب؟
الغموض المحيط بأوامر ترامب للبنتاغون يفتح الباب لتكهنات خطيرة. فوفقًا للتقرير، لم توضح الإدارة الأمريكية بعد ما إذا كانت ستلجأ فعليًا إلى عمليات قتالية، أم مجرد عمليات مراقبة استخباراتية. المعروف أن البنتاغون يدير منذ سنوات طائرات استطلاع في سماء المكسيك لتتبع شبكات تهريب المخدرات، لكن لم يُمنح إذنًا سابقًا لتنفيذ ضربات قاتلة. وإن حدث ذلك الآن، فإن المشهد قد يتحول إلى “باكستان أو أفغانستان جديدة”، حيث تكون المدن المكسيكية المكتظة، والتي يقطنها عدد كبير من المواطنين مزدوجي الجنسية، ساحةً محتملة لأخطاء كارثية قد تشمل خسائر مدنية واسعة.
أمريكية من الداخل: العلاقة على المحكتحذيرات
حتى داخل المؤسسة الأمريكية، هناك من يدق ناقوس الخطر. كريغ ديير، الملحق العسكري السابق في السفارة الأمريكية في مكسيكو، قال إن “الفوائد قصيرة الأمد لن تُقارن بالأضرار طويلة المدى”، محذرًا من انهيار الثقة التي بُنيت بصعوبة على مدى العقود الماضية. وشاركه الرأي تود روبنسون، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون مكافحة المخدرات، قائلًا إن “الجيش لا يملك الشبكات الميدانية التي تمتلكها مؤسسات كـ FBI أو DEA”، موضحًا أن نجاح العمل الأمني يعتمد على الشراكة، لا على فرض القوة.
الحدود والمهاجرون: ورقة ضغط أم رهينة سياسية؟
واحدة من أبرز النقاط في العلاقة الأمريكية-المكسيكية كانت التنسيق المشترك لوقف تدفق المهاجرين. وفعليًا، أظهرت بيانات يونيو 2025 أدنى عدد من المهاجرين على الحدود منذ سنوات، بعد أن منعت المكسيك عبور عشرات الآلاف عبر أراضيها. لكن إن استُخدمت ورقة الجيش، فقد تعيد المكسيك النظر في تعاونها الأمني والحدودي، ما يهدد بفتح جبهة جديدة ليس فقط مع واشنطن، بل على الحدود ذاتها.
قد يكون توجيه ترامب الجديد مجرد ورقة ضغط انتخابية أو اختبارًا دبلوماسيًا لردة فعل المكسيك. لكن ما أوضحته كلوديا شينباوم – بلا مواربة – هو أن الجيش الأمريكي لن يُستقبل على أرض المكسيك كما في السابق. العلاقة التي عادت لتزدهر بين الجارتين تهتز الآن من جديد تحت وقع قرار منفرد، قد لا يُسقط كارتلات المخدرات، لكنه حتمًا يُهدد توازنًا دقيقًا في واحدة من أهم الجبهات السياسية والأمنية في العالم اليوم.