مواجهه جديدة في بحر الصين الجنوبي: خفر السواحل الصيني يهاجم سفينة فلبينيه ويصيب أحد أفراد طاقمها

في تصعيد جديد للتوترات البحرية بين بكين ومانيلا، أعلنت قوات خفر السواحل الفلبينية أن سفينة تابعة لها تعرضت لهجوم عدائي من خفر السواحل الصيني صباح الثلاثاء أثناء تنفيذها مهمة لإمداد الصيادين الفلبينيين بالوقود والمؤن قرب شعاب “باجو دي ماسينلوك” المتنازع عليها. الحادث، الذي أدى إلى إصابة أحد أفراد الطاقم وألحق أضرارًا مادية بالسفينة، يعكس اتساع دائرة المواجهة في واحدة من أكثر النقاط حساسية جيوسياسيًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تفاصيل الحادثة: 30 دقيقة من القصف بالمياه
بحسب المتحدث باسم خفر السواحل الفلبيني، الكومودور جاي تارّيلا، وقع الهجوم في تمام الساعة 9:14 صباحًا عندما كانت السفينة الحكومية BRP Datu Gumbay Piang (MMOV 3014) في مهمة رسمية ضمن برنامج “كاديوا من أجل الصيادين الأبطال”.
سفينتان صينيتان، تحملان الأرقام CCG 5201 وCCG 21562، استخدمتا مدافع المياه عالية الضغط ضد السفينة الفلبينية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لمانيلا.
قصف المياه استمر نحو 30 دقيقة، أدى إلى تحطيم زجاج الجسر الخلفي وتلف أنظمة كهربائية وخمس وحدات تكييف.
أحد أفراد وزارة الزراعة الفلبينية أصيب بجروح جراء تطاير الزجاج.
مناورة خطرة من “الميليشيا البحرية” الصينية
إلى جانب الهجوم المباشر، شاركت سفينة تابعة للميليشيا البحرية الصينية (CMM 00001) في المناورة، حيث حاولت إطلاق مدافع المياه على السفينة الفلبينية على بُعد 10 أميال بحرية شرق الشعاب. السفينة المستهدفة اضطرت للقيام بمناورات دفاعية لتجنب أضرار إضافية، قبل أن تنضم مجددًا إلى تسع سفن فلبينية أخرى في المنطقة.
إنذار بحري من البحرية الصينية يزيد التوتر
قبل دقائق فقط من الحادث، بثّت مدمرة تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني (تحمل الرقم 525) رسالة إذاعية عند الساعة 8:30 صباحًا، أعلنت فيها إجراء تدريبات بالذخيرة الحية قرب منطقة الصيد الفلبينية. هذه الرسالة، التي تزامنت مع وجود عشرات الصيادين الفلبينيين في المنطقة، تسببت بحالة من الذعر وأُعتبرت إشارة ضغط إضافية على مانيلا.
موقف مانيلا: “سنواصل مهمتنا”
رغم الاعتداء، أكد خفر السواحل الفلبيني أن السفينة أكملت مهمتها بنجاح، وقدمت الوقود والمؤن للصيادين. المتحدث الرسمي شدد على أن الحكومة الفلبينية “ستواصل الدفاع عن حقوقها البحرية وحماية مواطنيها العاملين في بحر الفلبين الغربي”، في إشارة واضحة إلى عزم مانيلا على عدم التراجع أمام الضغوط الصينية.
دلالات استراتيجية: اختبار للصبر الفلبيني والأمريكي
الحادث يأتي في سياق أوسع من التصعيد الصيني المتكرر ضد السفن الفلبينية في بحر الصين الجنوبي، حيث تسعى بكين لفرض سيطرتها الفعلية على الشعاب والمياه الغنية بالثروات الطبيعية. هذه الممارسات تمثل:
رسالة ردع للصيادين الفلبينيين الذين يواصلون نشاطهم بدعم حكومي مباشر.
اختبارًا لإرادة مانيلا التي وقعت مؤخرًا اتفاقيات دفاعية أوثق مع الولايات المتحدة، الحليف التقليدي.
محاولة لفرض أمر واقع في المياه المتنازع عليها، عبر دمج أدوات خفر السواحل والميليشيا البحرية بالتحركات العسكرية النظامية.
خلفية النزاع: “باجو دي ماسينلوك” كرمز للصراع البحري
شعاب “باجو دي ماسينلوك”، المعروفة دوليًا باسم Scarborough Shoal، تشكل نقطة اشتعال مستمرة منذ أكثر من عقد. في عام 2012 سيطرت الصين عمليًا على المنطقة بعد مواجهة بحرية مع الفلبين، رغم أن محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي قضت عام 2016 بأن المطالب الصينية لا أساس قانوني لها. بكين تجاهلت الحكم واستمرت في تعزيز وجودها العسكري والإداري في المنطقة.
ردود الفعل المتوقعة
من المرجح أن يؤدي الحادث إلى:
تصعيد دبلوماسي من جانب مانيلا التي قد تستدعي السفير الصيني للاحتجاج.
مواقف داعمة من واشنطن التي عادةً ما تكرر التزامها بمعاهدة الدفاع المشترك مع الفلبين.
زيادة التوتر الإقليمي في ظل محاولات آسيان (ASEAN) التوصل إلى “مدونة سلوك” تنظم الأنشطة في بحر الصين الجنوبي، وهي مفاوضات لا تزال متعثرة بسبب تصلب الموقف الصيني.
خلاصة
الحادث الأخير يمثل أكثر من مجرد مواجهة بحرية محدودة؛ فهو يعكس استراتيجية صينية منظمة تهدف إلى فرض الهيمنة البحرية تدريجيًا، مقابل تصميم فلبيني مدعوم أمريكيًا على مقاومة هذه الضغوط. ومع استمرار مثل هذه الاشتباكات، يبدو أن بحر الصين الجنوبي يتجه نحو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، ما يجعله أحد أبرز بؤر الصراع الجيوسياسي في العالم اليوم.