اتفاق تاريخي بين تركيا وإندونيسيا: 48 مقاتلة “كاان” لتعزيز التعاون الدفاعي والتقني
شراكة استراتيجية بين أنقرة وجاكرتا: صفقة مقاتلات "كاان" تعيد رسم خريطة التعاون الدفاعي في آسيا

في خطوة تعكس التحولات المتسارعة في خارطة التحالفات الدفاعية والتكنولوجية في آسيا، وقّعت تركيا وإندونيسيا اتفاقًا تجاريًا ضخمًا لتصدير 48 مقاتلة من طراز “كاان” التركية، في إطار صفقة تشمل نقل التكنولوجيا وإنشاء قاعدة صناعية محلية للتصنيع والصيانة في إندونيسيا. الاتفاق، الذي أُبرم على هامش معرض الدفاع الدولي “IDEF 2025” في إسطنبول، يمثل تتويجًا لأشهر من المفاوضات بين البلدين، وهو يأتي امتدادًا لاتفاق حكومي-حكومي تم توقيعه في يونيو 2025.
وتعتبر هذه الصفقة نقطة تحوّل لتركيا، التي تسعى لتقليل الاعتماد على الصناعات الدفاعية الغربية وتعزيز مكانتها كمصدر رئيسي للتقنيات العسكرية في الأسواق الناشئة، خصوصًا في جنوب شرق آسيا. كما تسلط الضوء على رغبة إندونيسيا في تنويع مصادر تسليحها والاستثمار في بناء قدرات صناعية محلية عبر شراكات استراتيجية.
الاتفاق لا يقتصر على البعد العسكري فحسب، بل يحمل في طياته دلالات أعمق على مستوى التعاون التقني وبناء القدرات الهندسية المشتركة، ما يفتح الباب أمام تحالف صناعي طويل الأمد بين أنقرة وجاكرتا. كما أنه يرسّخ مكانة “كاان” كمشروع رائد في الطموحات الدفاعية التركية، ويمنحها دفعة قوية نحو دخول الأسواق الدولية.
صفقة تصدير هي الأضخم في تاريخ مقاتلة “كاان”
تعد الاتفاقية الموقعة مع إندونيسيا أكبر صفقة تصدير حتى الآن للمقاتلة التركية “كاان”، ما يمنح المشروع زخمًا جديدًا بعد سنوات من التطوير والاختبار. وتشمل الصفقة تسليم 48 مقاتلة، إلى جانب ملاحق تقنية مفصلة، وآليات تنفيذ ترتبط بالاتفاق الحكومي السابق. ويمثل هذا الإنجاز اعترافًا دوليًا بقيمة المنصة التركية الجديدة، التي تسعى أنقرة إلى ترسيخها كبديل استراتيجي في سوق المقاتلات متعددة المهام.
تركيا تعزز موقعها كمصدر للتكنولوجيا الدفاعية
الصفقة الإندونيسية تشكّل امتدادًا لاستراتيجية أنقرة في تصدير التكنولوجيا الدفاعية، وتحديدًا المقاتلات المحلية، كجزء من رؤية أوسع للتموضع كقوة صناعية مستقلة. وبخلاف صفقات تصدير السلاح التقليدية، يبرز الاتفاق الجديد لأنه يشمل نقل التكنولوجيا وبناء قاعدة صناعية مشتركة، ما يعكس تحول تركيا من مجرد مُصدّر سلاح إلى شريك تقني وصناعي.
قاعدة صناعية محلية في إندونيسيا: أكثر من مجرد تجميع
يتضمن الاتفاق إنشاء بنية تحتية صناعية في إندونيسيا مخصصة لتجميع وصيانة المقاتلات، وهو ما يعد نقلة نوعية في العلاقات الثنائية. البعد المحلي في التنفيذ يعكس الثقة المتبادلة والرغبة في بناء قدرات وطنية مستدامة، ويقلل من التبعية التكنولوجية للطرف الإندونيسي، ويعزز من فرص التطوير المشترك مستقبلًا.
نقل الخبرات الهندسية: رهان تركي على بناء الشراكات
من أبرز ملامح الصفقة الدور الرئيسي للمهندسين الأتراك في نقل المعرفة الفنية والإشراف على عمليات التصنيع، وهو ما يعكس التزام تركيا ببناء شراكات استراتيجية حقيقية. ويمثل ذلك رافعة قوية لإندونيسيا في مساعيها للارتقاء بقدراتها الدفاعية والصناعية، كما يعزز من جاذبية “كاان” كمنصة قابلة للتكيف والنقل إلى شركاء آخرين.
مقاتلة “كاان”: الطموح التركي نحو الاستقلال العسكري
تعتبر “كاان” حجر الزاوية في مشروع تركيا للتحرر من الاعتماد على المنصات الغربية، وتطوير مقاتلة متعددة المهام قادرة على تأمين السيادة الجوية. ويأتي تطويرها في إطار مساعي أنقرة إلى تحديث سلاحها الجوي وتعويض القيود المفروضة على صفقات الأسلحة الغربية، لا سيما بعد استبعادها من برنامج “إف-35”.
إندونيسيا تنوّع أسطولها الجوي في ظل تحديات إقليمية
اختيار جاكرتا لمقاتلة “كاان” يعكس توجهًا استراتيجيًا لتنويع مصادر التسليح ومواجهة التهديدات المتصاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا، خاصة في ظل التوترات البحرية والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. كما أنه ينسجم مع طموحات إندونيسيا في التحول إلى قوة صناعية عسكرية إقليمية.
مراسم التوقيع تتوّج شهورًا من التفاوض التقني والسياسي
أُقيمت مراسم التوقيع خلال معرض “IDEF 2025″، بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين، لتتوج بذلك أشهرًا من التفاوض الفني والتنسيق بين الجهات الدفاعية والصناعية. ويشير توقيت الإعلان عن الصفقة إلى رغبة الطرفين في استعراض الشراكة أمام جمهور دولي مهتم بصعود تركيا كمورد تكنولوجي.

اقرأ أيضاً
حرب الأيام الـ12: الضربة الإسرائيلية التي أعادت البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء
المقاتلة التركية تدخل السوق الدولية من بوابة آسيا
صفقة “كاان” مع إندونيسيا ليست فقط علامة فارقة في مسار التطوير، بل هي أيضًا نقطة انطلاق نحو المزيد من عقود التصدير، خصوصًا إلى دول تبحث عن بدائل غير غربية ذات جودة عالية وأسعار منافسة. ومن المرجح أن تسهم هذه الصفقة في تعزيز ثقة دول أخرى في قدرات تركيا التقنية والدفاعية.