جيل زد والذكاء الاصطناعي: بين الأمل والمخاوف

يدخل جيل زد مرحلة نضجه المهني والاجتماعي في زمن يشهد تسارعاً غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه الأداة التي كانت قبل سنوات قليلة مجرد فكرة في مختبرات البحث، أصبحت الآن جزءاً من حياتنا اليومية، تكتب وتترجم وتصمم وتنتج الصور والفيديوهات وحتى تتحدث نيابة عنا. لكن، ومع هذه الإمكانات الهائلة، تظهر أيضاً أسئلة ملحّة عن حدودها، مخاطرها، وأثرها على الإنسان والمجتمع.
التضليل: عندما يصبح الوهم حقيقة
تحكي الصحفية المستقلة سمايا موتارا عن تجربتها مع فيديو شاهدته إحدى قريباتها على فيسبوك، يظهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وهو يتهم الهند بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار مع باكستان. الفيديو بدا مقنعاً لدرجة أنه كان يمكن أن يخدع المشاهدين بسهولة، لكن سمايا تحققت منه عبر مصادر إخبارية موثوقة لتكتشف أنه مفبرك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. المشكلة أن قريبتها رفضت تصديق ذلك، وأصرت على أنه حقيقي “لأنه يبدو حقيقياً”. لو لم تتدخل سمايا، لكان الفيديو انتشر إلى عشرات الأشخاص عبر إعادة الإرسال.
وفي مثال آخر، ظهر على تيك توك حساب باسم migrantvlog ينشر مقاطع مصورة لمهاجرين يصلون إلى بريطانيا ويتفاخرون بحصولهم على “فنادق خمس نجوم” و”دراجات كهربائية مجانية” ويقومون بحرق علم الاتحاد. على الرغم من علامات واضحة تشير إلى أن المحتوى مُنشأ بالذكاء الاصطناعي – مثل الخلفيات الضبابية وحركات الشخصيات الغريبة – حصدت بعض هذه المقاطع مئات آلاف المشاهدات، وتدفقت التعليقات المليئة بالعنصرية. بالنسبة لسمايا، هذه الظاهرة خطيرة لأن انتشار هذه المواد لا يتطلب جهداً ولا يحتاج لجهات سياسية، بل يكفي أن يصدقها الناس وينشروها.
الصحافة: مساعد أم موجه؟
بالنسبة للصحفي الرياضي روكانة موجرا، الذكاء الاصطناعي كان بمثابة منقذ في موقف ضيق. حين وجد نفسه أمام موعد تسليم تقرير مباراة ولم يستطع صياغة مقدمة مناسبة، لجأ إلى أداة ذكاء اصطناعي لتوليد صيغة افتتاحية، فوجدها ملائمة وساعدته على تجاوز عقبة الوقت. لكنه يؤكد أن هذه الأدوات لا يمكن أن تحل محل الصحفي في اتخاذ القرارات التحريرية أو في التقاط تفاصيل الجو العام للمباراة أو في ملاحقة المصادر.
روكانة يرى أن قيمة الذكاء الاصطناعي تكمن في كونه “محرراً بلا أحكام مسبقة”، يسمح له بصقل النصوص والتجريب بحرية قبل إرسالها للمحرر البشري. لكنه يحذر من خطر الاعتماد المفرط، خاصة إذا بدأت الخوارزميات هي التي تحدد ما يُكتب وكيف يُكتب، لأن ذلك سيؤدي إلى فقدان التنوع والاحتكاك الإبداعي الذي يجعل الصحافة نابضة بالحياة.
فاتورة بيئية باهظة
المحررة العلمية فرانسيس بريغز تركز على الجانب الذي يندر الحديث عنه: أثر الذكاء الاصطناعي على البيئة. فبحسب دراسة حديثة تناولت نموذج ChatGPT-4o، استهلاك الطاقة السنوي لهذا النظام يعادل استهلاك 35 ألف منزل، أو 325 جامعة، أو 50 مستشفى أمريكياً. أما المياه اللازمة لتبريد وحدات المعالجة، فتبلغ ما يقارب 2,500 مسبح أولمبي.
صحيح أن النسبة الإجمالية للطاقة التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي عالمياً ما تزال أقل من 1%، لكن الوضع في بعض الدول مثير للقلق، مثل أيرلندا التي استهلكت فيها مراكز البيانات 22% من إجمالي كهرباء البلاد في العام الماضي، متجاوزة استهلاك المساكن في المدن. ومع الزيادة المتسارعة لاستخدام هذه التقنية، من المرجح أن تتضاعف هذه الأرقام قريباً. ومع ذلك، تحتفظ فرانسيس ببعض التفاؤل، مشيرة إلى أن التطوير المستمر في تصميم المعالجات قد يجعلها أقل استهلاكاً للطاقة وأكثر كفاءة.
العلاقات العاطفية: رسائل بلا روح
الطالبة سارانكا ماهسواران تنظر إلى جانب اجتماعي وإنساني مختلف: المواعدة في عصر الذكاء الاصطناعي. تقول إنها بدأت تشك في بعض الرسائل التي تتلقاها، لأنها تبدو “مثالية أكثر من اللازم”، سواء في الأسلوب أو اختيار الكلمات. وتستشهد بدراسة أجرتها منصة Match.com بالتعاون مع معهد كينسي، تشير إلى أن واحداً من كل أربعة عزاب في الولايات المتحدة استخدم الذكاء الاصطناعي في التواصل العاطفي.
سارانكا تخشى أن يفقد الناس أصواتهم الحقيقية إذا اعتمدوا كثيراً على هذه الأدوات لصياغة ما يقولونه، مما قد يضعف الثقة بالنفس ويشوّه العلاقات. بالنسبة لها، الصدق في التعبير عن الذات أهم من مظهر الرسائل.
التعليم: شريك أم مصدر إرباك؟
طالبة الأنثروبولوجيا الاجتماعية إيمان خان ترى أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى التعليم الجامعي أصبح أمراً لا يمكن فصله عن العملية الأكاديمية. لكنها تحذر من خطورته كمصدر للمعلومات المضللة، بعد أن لاحظت بنفسها ميله لاختلاق أو “هلوسة” المراجع. بالنسبة لها، هذه التجربة فتحت الباب للتفكير في أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة، بل طرف يشارك في إنتاج وتوجيه المعرفة، ما يستدعي دراسة عميقة لتأثيره على العلوم الاجتماعية وأساليب التعلم.
العمارة: الإبداع يتسع
في مجال مختلف تماماً، تتحدث المعمارية نمره طارق عن تجربتها مع الذكاء الاصطناعي في تصميم المشاريع. تقول إنه في سنواتها الأولى بالجامعة كان استخدامه محدوداً على التدقيق اللغوي، لكن في سنتها الأخيرة أصبح جزءاً من العملية الإبداعية، حيث استُخدم لتطوير النماذج وإضافة تفاصيل معقدة. هذا فتح أمامها آفاقاً جديدة للتجريب وتسريع الإنجاز، دون أن يلغي دورها كمصممة.
وترى نمره أن المستقبل المعماري سيتطلب إتقان هذه الأدوات، لأن مكاتب التصميم باتت تعتبرها مهارة أساسية، تماماً مثل أي برنامج تصميم آخر.
خاتمة
ما بين مخاوف التضليل، والعبء البيئي، والتأثير على العلاقات الإنسانية، وبين فرص الإبداع والتعليم والتطوير المهني، يبدو أن علاقة جيل زد بالذكاء الاصطناعي ليست قصة أبيض أو أسود. إنها علاقة معقدة، تحمل في طياتها إمكانات هائلة ومخاطر حقيقية، وسيكون شكل المستقبل مرهوناً بمدى وعي هذا الجيل في استخدام هذه التقنية وتوجيهها.