الاقتصاد الأميركي يتباطأ في النصف الأول من 2025 وسط اضطرابات الرسوم الجمركية

رغم تسجيل نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من 2025، إلا أن الأرقام تخفي صورة أكثر تعقيدًا، إذ أدت الرسوم الجمركية المتقلبة وسياسات الهجرة المشددة إلى إرباك الاقتصاد الأميركي، سواء على مستوى الأعمال أو المستهلكين.
أرقام متقلبة تعكس واقعًا باهتًا
أظهرت بيانات وزارة التجارة الأميركية أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 3% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام، متجاوزًا توقعات الخبراء، وذلك بعد انكماش بنسبة 0.5% في الربع الأول. لكن هذين الرقمين يتأثران بتقلّبات في التجارة والمخزونات ناجمة عن السياسات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب منذ عودته للبيت الأبيض.
وعند النظر إلى النصف الأول من 2025 ككل، تبدو الصورة أكثر اتساقًا: نمو ضعيف لكن إيجابي، وسط تراجع في استهلاك الأفراد وزيادة التوتر بين قطاعات الإنتاج.
إنفاق المستهلكين يتباطأ
رغم أن الإنفاق الاستهلاكي – المحرّك الأساسي للاقتصاد الأميركي – نما بنسبة 1.4% في الربع الثاني، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من مستويات 2024 التي بلغت 2.8%. ويرى المحللون أن المستهلك الأميركي بدأ يُظهر علامات تعب واضحة بعد سنوات من الصمود في وجه الضغوط الاقتصادية.
سوق الإسكان لا يزال متأثرًا
استمرت القطاع العقاري في التراجع للربع الثاني على التوالي بفعل أسعار الفائدة المرتفعة، رغم أن التضخم بدأ بالاستقرار، حيث بلغ معدل ارتفاع الأسعار 2.1% فقط في الربع الثاني – قريب من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
الفيدرالي متردد… وترامب يضغط
تأتي هذه البيانات في وقت يجتمع فيه الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لدراسة قراراته بشأن أسعار الفائدة. ومن المتوقع أن يُبقي عليها ثابتة، لكن إن استمر التباطؤ، فقد يعاود خفضها في الخريف.
في المقابل، سارع الرئيس ترامب إلى استغلال الأرقام الإيجابية في الناتج المحلي لمطالبة الفيدرالي بخفض الفائدة فورًا. وفي منشور على وسائل التواصل، كتب: “الرقم أفضل بكثير مما كان متوقعًا! على جيروم باول خفض الفائدة الآن!”
الرسوم الجمركية أربكت البيانات
يرى الخبراء أن سياسات الرسوم الجمركية تسببت بتشويه الأرقام الاقتصادية. فعندما عاد ترامب إلى الحكم، تسابقت الشركات على استيراد المواد قبل سريان الرسوم الجديدة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الواردات بداية العام، ثم تراجعها لاحقًا في الربع الثاني.
ولأن طريقة احتساب الناتج المحلي تعتمد على طرح الواردات من إجمالي الإنفاق، فإن التغيرات في الاستيراد تظهر كتحولات حادة في أرقام الناتج، رغم أن النشاط الحقيقي قد لا يتغير كثيرًا. ويتوقع خبراء أن تتم مراجعة هذه البيانات لاحقًا لتكون أكثر اتساقًا.
مؤشرات متباينة… والمستقبل غامض
تشير بعض المؤشرات إلى استمرار متانة الاقتصاد، مثل ارتفاع الدخل الحقيقي بعد الضرائب بنسبة 3%، واستمرار ثقة المستهلكين. كما أن أسعار السلع الأساسية لا تزال تحت السيطرة، مما يمنح الاحتياطي الفيدرالي هامشًا للمناورة.
لكن هناك مخاوف من تأثير سياسات الهجرة الصارمة وخفض الإنفاق الحكومي على سوق العمل وقطاعات الإنتاج، خصوصًا التي تعتمد على العمالة المهاجرة.
كما يرى البعض أن الإنفاق على الخدمات الترفيهية مثل السفر والفنادق سيكون المؤشر الحقيقي للاتجاه المقبل، ويُطلق عليه أحد الاقتصاديين وصف “الكناري في منجم الفحم” – أي أول من يظهر عليه الخطر.
الخلاصة:
الاقتصاد الأميركي لا يزال ينمو، لكنه يفعل ذلك بصعوبة وسط بيئة سياسية وتجارية متقلبة. في الأشهر القادمة، ستحدد سياسات الفيدرالي وسلوك المستهلكين إن كان هذا التباطؤ مؤقتًا، أم بداية لتباطؤ أعمق.