الاقتصاد

الفيدرالي الأمريكي بين فكي كماشته: التوظيف أم استقرار الأسعار؟

يدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه هذا الأسبوع وسط ترقّب واسع في الأسواق، حيث يتوقع أن يقرر أول خفض لأسعار الفائدة هذا العام. لكن المعضلة التي يواجهها البنك المركزي ليست سهلة: فهو مطالب بتحقيق توازن دقيق بين هدفين متناقضين في كثير من الأحيان؛ تعزيز التوظيف والحفاظ على استقرار الأسعار. وبينما يضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنًا من أجل “خفض كبير” لدعم النمو، تكشف بيانات التضخم المتصاعدة أن الحذر قد يكون الخيار الأكثر عقلانية.

إشارات التباطؤ الاقتصادي تتزايد

منذ اجتماع يوليو الماضي، ظهرت بوادر ضعف في النشاط الاقتصادي الأمريكي. تقرير البيج بوك أشار إلى أن معظم مناطق الاحتياطي الفيدرالي الـ12 شهدت “القليل أو لا تغيير” في النشاط الاقتصادي خلال الصيف. كما تراجعت ثقة المستهلك في سبتمبر، وتباطأت أنشطة البناء والصناعة بفعل تكاليف الاقتراض المرتفعة وسياسات الرسوم الجمركية الواسعة التي يفرضها ترامب. الاستثناء الأبرز كان في استثمارات البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، التي ساعدت على إبقاء بعض المؤشرات في المنطقة الإيجابية.

سوق العمل يفقد زخمه

رغم أن معدل البطالة لا يزال منخفضًا نسبيًا، إلا أنه أخذ في الارتفاع التدريجي على مدار العام. بيانات التوظيف أظهرت أن قطاعات خاصة عديدة بدأت تفقد وظائف أكثر مما تخلق. كما أن توقعات العثور على عمل جديد انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بحسب مسح بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ومع ذلك، فإن مراجعات البيانات الكبيرة والتشدد في سياسات الهجرة تجعل من الصعب قراءة المشهد بدقة.

التضخم يربك الحسابات

التضخم لا يزال الشاغل الأكبر للفيدرالي. معدل التضخم الأساسي للإنفاق الاستهلاكي – المؤشر المفضل للبنك المركزي – ارتفع منذ أبريل ليصل إلى 2.9% في أغسطس، متجاوزًا الهدف البالغ 2%. وفي حين يرى بعض مسؤولي الفيدرالي أن تأثير الرسوم الجمركية سيكون “مرة واحدة” على الأسعار، فإن اتساع نطاق السلع والخدمات التي تشهد ارتفاعًا يعزز مخاوف التضخم. التوقعات الاستهلاكية تشير كذلك إلى استمرار الضغوط، إذ يتوقع الأمريكيون زيادة 4.8% في الأسعار خلال العام المقبل، بحسب جامعة ميشيغان.

معضلة الرسوم الجمركي

الرسوم التي يفرضها ترامب على الواردات تشكل عاملًا إضافيًا للتعقيد. فبينما توفر حماية للصناعات المحلية على المدى القصير، فإنها ترفع تكاليف المعيشة والإنتاج، وقد تجبر المتاجر الكبرى على تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين. النقاش الجاري في المحكمة العليا حول قانونية هذه الرسوم قد يضيف عنصرًا آخر من الغموض للسياسة النقدية.

ما هو القرار المرجح؟

في ظل هذه المعطيات، تبدو التوقعات أكثر ميلًا نحو خفض محدود بمقدار 25 نقطة أساس، وهو ما يتماشى مع تسعير الأسواق. هذا النهج الحذر يمنح الفيدرالي مساحة للمناورة في اجتماعاته المقبلة، سواء لتسريع الخفض إذا تدهور سوق العمل، أو التوقف مؤقتًا في حال استمر التضخم بالارتفاع.

المرونة هي الخيار الأمثل

رئيس الفيدرالي جيروم باول يُنتظر أن يبعث برسالة واضحة تؤكد أن البنك المركزي يتحرك بحذر وسط ضغوط سياسية واقتصادية معقدة. وفي ظل الغموض الحالي، فإن الصبر لا التسرع يبدو الخيار الأكثر حكمة، بما يحافظ على مصداقية الفيدرالي في مكافحة التضخم، ويمنحه القدرة على تعديل المسار وفق تطورات الأشهر المقبلة.

اقرأ أيضاً:

استراتيجية صناعية أوسع من “القطاعات النجمية”

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى