الوكالات

هل حل دونالد ترامب ازمه إيران من السماء ؟

ترامب وإيران: هل حلّ الأزمة بضربة جوية؟

 

في أكتوبر عام 1980، ظهر دونالد ترامب البالغ حينها 34 عامًا في مقابلة مع الصحفية “رونا باريت”، بدا شابًا نحيلًا هادئ الصوت، يجيب عن أسئلة خفيفة تتعلق بحياته الخاصة، قبل أن يحوّل الحديث فجأة إلى السياسة الدولية. تحدث عن إيران، وقال إن أمريكا كان يجب أن تغزوها حين احتجزت دبلوماسييها، مؤكدًا أن “الاحترام” لا يُنال بالكلام بل بالقوة. تلك العقلية الاستعراضية – الحروب كانت لتُحسم في يوم، والمشكلات الدولية تُحل بجرة قلم – باتت لاحقًا السمة الأساسية لنهجه السياسي.

 

الآن، وبعد مرور 45 عامًا على تلك التصريحات، نفّذ ترامب فعلاً ضربة جوية ضد منشآت إيران النووية، متفاخرًا بأنه اتخذ “القرار الصعب” الذي طالما تغنى بقدرته على اتخاذه. الضربة الأمريكية – التي نُفذت بدقة عسكرية بالغة – تبعتها تهدئة سريعة، إذ وافقت إسرائيل وإيران على وقف إطلاق النار، وأعادتا تأكيده بعد أن هاجمهما ترامب علنًا على التراجع.

 

بينما كان ترامب في طريقه إلى قمة الناتو، أثنى الأمين العام للحلف، مارك روته، على “الإجراء الحاسم” الذي قال إنه “جعلنا جميعًا أكثر أمنًا”. وفي منشور على مواقع التواصل، أعلن ترامب أن “إسرائيل وإيران ترغبان الآن في مستقبل مليء بالحب والسلام والازدهار”. لكن التفاؤل في الشرق الأوسط لا يزال يصطدم بتاريخ طويل من الخيبات.

 

عقدة إيران القديمة

أزمة إيران لم تكن يومًا بعيدة عن المشهد الأمريكي. فبعد الثورة الإسلامية عام 1979، اختُطف الدبلوماسيون الأمريكيون، وتدهورت هيبة أمريكا عالميًا. جاء رونالد ريغان بشعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، وأُطلق نكتة آنذاك: “ما هو الشيء المسطح ويضيء في الظلام؟ إيران بعد 24 ساعة من تنصيب ريغان”.

 

ورغم الإفراج عن الرهائن عشية تنصيب ريغان، إلا أن إيران ظلت مصدر أزمات متكررة لرؤساء أمريكا. حتى ريغان نفسه تورط في فضيحة بيع أسلحة لإيران سرًا، وتحويل العائدات إلى متمردين نيكاراغوا.

 

ترامب والاتفاق النووي: الانسحاب ثم القصف

في ولايته الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي وقّعه باراك أوباما، معتبرًا إياه “اتفاقًا مريعًا”، لأنه لم يعالج برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ولا دعمه للجماعات المسلحة. لكن غياب الاتفاق قصّر الزمن اللازم لإيران للوصول إلى “اختراق نووي”.

 

كان ترامب يصرّ دائمًا أنه قادر على التوصل إلى “اتفاق أفضل في يوم واحد”، لكن رغم وسطاءه ومبعوثيه، لم ينجح. وعندما أسقطت إيران طائرة أمريكية مسيّرة، أمر بضربة انتقامية، ثم ألغاها في اللحظات الأخيرة، خوفًا من “مشاهدة أكياس الجثث على الشاشات”، بحسب ما دوّنه مستشاره السابق للأمن القومي، جون بولتون.

 

إلا أنه لاحقًا أجاز اغتيال الجنرال قاسم سليماني بطائرة مسيّرة، في واحدة من أبرز ضرباته العسكرية ضد طهران.

 

من الدبلوماسية إلى القوة مجددًا

عند عودته إلى السلطة، استمر ترامب في إيمانه بالتفاوض مع الخصوم، وحدد مهلة 60 يومًا للإيرانيين للعودة إلى المحادثات. وعندما لم يأتِ الرد، كانت إسرائيل قد بدأت بتنفيذ ضرباتها داخل سوريا ولبنان، ثم توغلت في الأجواء الإيرانية. عندها استغل ترامب الفرصة، وضرب المنشآت النووية الإيرانية بنفسه.

 

صحيح أن تلك الضربات ربما لم تؤخر “الاختراق النووي” الإيراني إلا لبضعة أشهر – بينما منح اتفاق أوباما تأخيرًا يقارب عامًا – لكن ترامب قد يعتبر أن المهم هو “الرسالة” التي أُرسلت، وأن العالم سيحترم أمريكا مجددًا.

 

الحظ.. مرة أخرى؟

هل يعول ترامب على الحظ؟ ربما. فقد بنى جزءًا كبيرًا من مسيرته على الجرأة والإقدام، وأحيانًا على المقامرة. يرى البعض أن ضربته الأخيرة ضد إيران منحت واشنطن مكانة الردع، بينما يعتبر آخرون أنها مجرد هروب إلى الأمام.

 

ربما يتخلى الإيرانيون عن سعيهم نحو القنبلة النووية. أو ربما، ببساطة، يغير ترامب الموضوع كعادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى