بريطانيا على حافة أزمة مالية بطيئة: إنفاق مرتفع ونقص في العزيمة السياسية

بداخليًا وخارجيًا، اقتصاد بريطانيا يعاني من مشاكل ممتدة: تضخم عنيد، ديون عامة عالية، ونمو إنتاجية ضعيف. رغم أن الاقتصاد لا يزال ينمو وأن مفاصل السوق تعمل — مبيعات التجزئة جيدة والبطالة منخفضة إلا أن مؤشرات المالية العامة تشير إلى وضع هش، مع ارتفاع صافي الدين العام من 35% من الناتج المحلي عام 2005 إلى نحو 95% اليوم، واقتراض سنوي يفوق 4% من الناتج حتى في غياب أي طوارئ.
المشكلة قابلة للحل — لكن السياسيين يتأخرون
من الحسابات الاقتصادية يظهر أن ضبطًا محسوبًا يعادل نحو 2% من الناتج المحلي كافٍ لتحقيق استقرار الدين على الأمد المتوسط، وهو هدف تاريخي معقول مقارنة بدول أخرى. لكن العجز ليس مجرد رقم؛ الفشل في اتخاذ قرارات هيكلية الآن يعكس عجزًا سياسيًا قد يتحوّل إلى مشكلة مؤسسية أكبر. الحكومة الحالية تمتلك أغلبية كبيرة وقاعدة زمنية للسياسة قد تمتد لأربع سنوات — فإذا لم تستغل ذلك الزخم لإصلاح الأوضاع، فمَن سيقوم به لاحقًا؟
أين يبدأ التقشف العادل؟ على ميزانيتي التقاعد والرفاه
أبرز مصدر للضغط المالي هو الإنفاق على المعاشات والبدلات. إنفاق الدولة على كبار السن وصل لحوالي 6% من الناتج، بارتفاع ملحوظ هذا القرن، فيما ارتفعت مطالبات إعانات البطالة وحقوق الإعاقة لتشمل نسبة كبيرة من فئات العمر العاملة. الإصلاحات المطلوبة واضحة: ضبط آليات زيادة المعاشات وتحديث معايير الاستحقاق. لكن محاولات الحكومة للتعديل اصطدمت بردود فعل شعبية وسياسية دفعتها إلى التراجع، مرتين هذه السنة — ما يبرز نقصًا في استعداد الصراحة السياسية والإعداد للتعامل مع الاعتراضات.
خيار الضرائب صعب ومتقلب
الخيار الآخر هو رفع الضرائب، لكن الحكومة تعهدت بعدم فرض ضرائب شاملة على الدخل أو الاستهلاك قبل الانتخابات. الخيارات الضيقة — فرض ضرائب على المدخرات التقاعدية أو فرض ضريبة أرباح رأس المال على المسكن الأول — قد تبدو سهلة لكنها ستخلق تشوهات اقتصادية ومجموعات خاسرة قوية. زيادة الضرائب على رأس المال قد تردع المستثمرين وتقوّض ثقة السوق، وقد تؤدي إلى رد فعل سياسي داخلي حاد.
غياب بديل مُقنع ومخاطر سياسية واقتصادية
القلق يتعاظم لأن لا يوجد معارضة قوية قادرة على اقتراح حل عملي. بدائل شعبوية مثل مقترحات حزب «ريفرم يو كيه» تحمل وعودًا غير واقعية قد تزيد المخاطر. أما العودة إلى صندوق النقد الدولي فستكون مختلفة هذه المرة — الأزمة اليوم هي مالية داخل عملة عائمة، لكن السوق قد يفرض تصحيحًا مؤلمًا إذا فقد المستثمرون الثقة. تجربة صدمة السندات في 2022 بعد «الميني بَجيت» تظهر كيف يمكن للأسواق أن تنتقل من تحذير إلى هجوم سريع يرفع كلفة الاقتراض لكل القطاعات.
خلاصة مقلقة
الأرقام تُظهر أن بريطانيا ليست في حالة إفلاس فوري، لكن المسار الحالي يقود إلى تراكم مخاطر: ديون مرتفعة، تكلفة خدمة دين مرتفعة، ونظام رفاه وتقاعد لا يتسمان بالاستدامة. الإصلاح ممكن وبديهياً — لكنه يتطلب قيادة سياسة شجاعة ووضوحًا في الرسائل وخطة متوازنة بين ضبط الإنفاق وإصلاح النظام الضريبي. عدم التحرك الآن سيترك السوق ليقرر متى وكيف يحسم الحساب.