عربي وعالمي

فوضى مرتقبة في أجواء أوروبا: صيف من التأخيرات وشكاوى لا تطير

فوضى مرتقبة في أجواء أوروبا

 

يبدو أن صيف 2025 سيكون كارثيًا بالنسبة للمسافرين جوًا في أوروبا، إذ حذّرت المفوضية الأوروبية من أن موسم السفر قد يشهد أسوأ موجات تأخير في تاريخ الطيران بالقارة. الأسباب متعددة: نقص في عدد المراقبين الجويين، إضرابات متكررة، حرائق غابات، وموجات حرارة غير مسبوقة—all تتكامل في مشهد جوي خانق يهدد بتقويض خطط السفر لملايين الأوروبيين والسياح. وفي ظل استمرار تدفق المسافرين بعد جائحة كورونا، وتزايد هشاشة البنية التحتية، يبرز سؤال جوهري: هل باتت سماء أوروبا عاجزة عن استيعاب طموحات الطيران الحديث؟

سقف القدرة التشغيلية على وشك الانهيار

أوضحت المفوضية الأوروبية أن نظام المراقبة الجوية بات يعمل على الحد الأقصى من قدرته التشغيلية، إذ تصل بعض الأيام إلى أكثر من 37 ألف رحلة جوية، وهو الحد الأقصى الذي يمكن للمراقبين الجويين التعامل معه دون انهيار. هذا الضغط غير المسبوق يأتي في وقت لا تزال فيه البنية البشرية والفنية للقطاع تعاني من آثار الجائحة.

الإضرابات الفرنسية: شرارة الفوضى الجوية

إحدى أكثر الأزمات حدةً تتمثل في الإضرابات التي ينفذها المراقبون الجويون في فرنسا، خاصة احتجاجًا على تقادم المعدات ونقص الكوادر. الأسبوع الماضي فقط، تسببت إضرابات ليومين في تعطيل 4000 رحلة في مختلف أنحاء أوروبا، وفق “يوروكنترول”، وأدت إلى خسائر مباشرة قُدرت بنحو 100 يورو في الدقيقة الواحدة. وتعرضت شركات كبرى مثل Air France-KLM لخسائر بملايين اليوروهات.

تأثير الحرب في أوكرانيا: سماء أوروبا أضيق

لم تعد السماء الأوروبية مفتوحة كما كانت. فنتيجة الحرب المستمرة في أوكرانيا، تم تقليص المجال الجوي المتاح للطيران، مما أدى إلى ازدحام خطوط الطيران المتبقية. هذا التقييد الجوي يفرض على الطائرات المرور بمسارات أطول وأكثر تعقيدًا، ما يزيد من الضغط على أنظمة الملاحة والمراقبة.

المناخ: الحرائق والحرارة تغلق المطارات والمعالم

عامل جديد يُزيد من تعقيد الوضع هو التغير المناخي. فقد أُغلق مطار مرسيليا مؤقتًا بسبب الحرائق، وتم منع الوصول إلى مواقع سياحية كالأكروبوليس في أثينا بسبب الحرارة المفرطة. ومع توقعات بمزيد من الظواهر الجوية القاسية، بات الطقس عدوًا غير متوقع لقطاع الطيران.

أزمة تدريب المراقبين: فجوة زمنية لا تُردم بسهولة

بينما يمكن للطيار الحصول على رخصته خلال عام، يتطلب تدريب المراقب الجوي في بعض الدول الأوروبية مدة قد تصل إلى خمس سنوات. هذه الفجوة الزمنية بين الحاجة الفورية والقدرة على الإمداد البشري تمثل أحد أعقد التحديات البنيوية في القطاع، خاصة مع تسارع الطلب على الرحلات الجوية.

ضغط على بروكسل: مطالب بإحياء “السماء الأوروبية الموحدة

في ظل هذا الواقع، تتزايد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لإحياء مشروع “السماء الأوروبية الموحدة”، الذي يهدف إلى دمج أنظمة المراقبة الجوية في دول الاتحاد وتسهيل اتخاذ أقصر المسارات بين الوجهات، بدلًا من المسارات الملتوية التي تفرضها الحدود الوطنية الجوية الحالية. ورغم أن المشروع طُرح قبل سنوات، إلا أن التقدم فيه بطيء بشكل يثير الاستياء في أوساط شركات الطيران.

صيف مهدد بالشلل: لا حلول سريعة في الأفق

بحسب المفوض الأوروبي للنقل، أبستولوس تزيتزيكوستاس، فإن التحديات الحالية “تهدد بإنهاك الشبكة الجوية الأوروبية وإحباط المسافرين”. ورغم الوعود بتعزيز التنسيق بين وزارات النقل وشركات الطيران، لا توجد حلول سريعة. حتى الرسائل الرسمية التي تطالب الدول بتوظيف المراقبين في الأماكن الأكثر ازدحامًا، تُقابل بمشكلات تتعلق بالتوظيف والبيروقراطية.

القطاع يقترب من حافة الانهيار الإداري

الانتقادات تتصاعد من داخل القطاع نفسه، حيث وصف رافائيل شفارتسمان، نائب رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي، التأخيرات المتكررة بأنها “غير مقبولة”، مؤكدًا أن الفجوة بين الأهداف المعلنة والواقع “اقتربت من حدود الخيال”. وأضاف أن غياب العقوبات على هذا “الفشل المزمن” ساعد على تفاقمه.

في المحصلة: الركاب ضحايا توازن مختل

ما بين نقص في المراقبين، وإضرابات مستمرة، وتغير مناخي متصاعد، وتباطؤ بيروقراطي في بروكسل، تبدو النتيجة واحدة: فوضى في السماء الأوروبية وصيف قد يكون الأصعب على الإطلاق بالنسبة للمسافرين. وفي غياب حلول جذرية، تبدو خيارات الركاب محصورة بين الصبر أو إلغاء الرحلات.

اقرأ ايضا:

النمسا ترحّل لاجئًا سوريًا لأول مرة منذ 15 عامًا: بداية لمرحلة أوروبية جديدة في ملف الهجرة

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى