عرب وعالم

كوريا الجنوبية تستعد للأسوأ.. ملجأ نووي تحت سول يترجم الخوف من “كيم”

تسارعت خطوات كوريا الجنوبية نحو تحصين نفسها من التهديدات النووية المتزايدة لجارتها الشمالية، بإطلاق مشروع هو الأول من نوعه لبناء مخبأ نووي مدني أسفل مجمع سكني في العاصمة سول. يمتد المخبأ على مساحة 2000 متر مربع ويُجسّد إدراكًا رسميًا بأن خطر بيونج يانج لم يعد طارئًا بل دائمًا. المشروع لا يهدف فقط لحماية المدنيين في حال وقوع هجوم، بل يعكس أيضًا انتقال سيول إلى مرحلة “الاستعداد الواقعي”، حيث باتت السياسة الدفاعية ترتكز على الدمج بين الحماية التقنية والتجهيز المجتمعي. وبينما تتوسع الترسانة النووية الكورية الشمالية، تسعى سول إلى بناء خطوط دفاعها تحت الأرض، قبل أن تجد نفسها مهددة فوقها.

 

“سونجبا”.. تجربة رائدة للتحصين المدني

سيكون مشروع “سونجبا” في جنوب العاصمة نموذجًا للتحصين الحضري عندما يكتمل في عام 2028، بتكلفة تقارب 3.4 مليار وون. يتألف المخبأ من ثلاثة طوابق تحت الأرض، مجهز بأنظمة تنقية هواء ومياه معقمة ومناطق تطهير بيولوجي وكيميائي، ويمكنه دعم أكثر من 1020 شخصًا لمدة أسبوعين كاملين. كما صُمم ليكون مقاومًا لهجمات النبضات الكهرومغناطيسية التي قد تشل البنية التحتية. وتقول السلطات إن الهدف من المشروع ليس فقط بناء مأوى من القنابل، بل تأسيس بنية دفاع مدني متطورة تُعيد تعريف مفهوم الأمن المجتمعي في ظل التهديدات الحديثة التي تتجاوز حدود الحرب التقليدية.

مشروع “سونجبا” للإسكان العام المبتكر في جنوب العاصمة

ذاكرة الحرب الكورية تعود من تحت الركام

رغم امتلاك كوريا الجنوبية نحو 19 ألف ملجأ، فإن معظمها بُني في خمسينيات القرن الماضي عقب الحرب الكورية، حين ألقت الولايات المتحدة أكثر من 635 ألف طن من القنابل، بينها 33 ألف طن من النابالم، على الشمال. هذا الإرث الدموي شكّل وعيًا جماعيًا في كوريا الجنوبية بأن السلام هشّ، وأن الأمن لا يُؤخذ كأمر مُسلّم به. اليوم، تعود الذاكرة الجماعية لتلك الحقبة ولكن في سياق جديد، حيث تفرض الأسلحة النووية تحديات غير مسبوقة. ومن هنا يأتي مشروع “سونجبا” كمحاولة لتجسيد “سلام استباقي” يحمي المدنيين ويحوّل الخوف إلى تخطيط واقعي للمستقبل.

 

ترسانة الشمال… تهديد يزداد جرأة

تعيش العاصمة سول على بُعد ثلاثين ميلًا فقط من حدود تنتشر على طولها أكثر من 13 ألف مدفع كوري شمالي قادر على ضربها خلال دقائق. ومع امتلاك بيونج يانج عشرات الرؤوس النووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات، يتزايد القلق في الجنوب من أي تصعيد مفاجئ. وفي عرض عسكري حديث، كشفت كوريا الشمالية عن صاروخ “هواسونج-20” القادر على بلوغ البر الأمريكي، في رسالة تحدٍ واضحة. وبينما تتمسك واشنطن وسيول بخطاب نزع السلاح النووي، يصر كيم جونج أون على أن ترسانته تمثل “درع النظام وسيف الردع”، مما يجعل أي اتفاق سلام بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

 

واقعية سياسية وشعبية جديدة

حين صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن كيم جونج أون “قوة نووية”، بدا وكأنه يمنح بيونج يانج اعترافًا ضمنيًا بمكانتها النووية. هذا التصريح غيّر نظرة سيول إلى مستقبل الردع في المنطقة. الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج تبنى مقاربة أكثر واقعية، داعيًا إلى تجميد البرنامج النووي الشمالي بدلًا من نزع السلاح الكامل، وهو طرح يعكس تراجع الثقة في الدبلوماسية التقليدية. في الوقت نفسه، أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية الكوريين الجنوبيين باتوا يؤيدون امتلاك بلادهم قوة ردع نووية خاصة، في مؤشر على تحوّل نفسي واستراتيجي عميق في المجتمع.

 

سول بين الردع والتكيّف

ما تفعله كوريا الجنوبية اليوم لا يعكس استسلامًا للواقع، بل استعدادًا للتكيّف معه. بناء المخبأ النووي في قلب العاصمة هو إعلان واضح بأن أمن المدنيين لم يعد رفاهية، بل أولوية وطنية. في وقت تتصاعد فيه التهديدات في شرق آسيا، تضع سول نفسها في موقع مختلف: قوة مدنية متحصنة بالتكنولوجيا والبنية التحتية الذكية، قادرة على حماية شعبها من حرب قد تبدأ بضغطة زر. وبين الردع العسكري والتكيّف الميداني، تسعى كوريا الجنوبية لتثبيت معادلة جديدة عنوانها: البقاء للأكثر استعدادًا، لا للأكثر تسلحًا.

اقرا ايضا

الإغلاق الحكومي يشلّ «القلب النووي» لأمريكا ويكشف هشاشة منظومتها الأمنية

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى