ترامب يتجاوز إسرائيل في مساعيه للسلام في غزة
نتنياهو يبدو معزولًا بشكل متزايد عن أقرب حلفائه

أثار إطلاق سراح الجندي الأمريكي-الإسرائيلي إيدان ألكسندر، الذي كان محتجزًا في غزة لمدة 19 شهرًا، ارتياحًا واسعًا لعائلته وللإسرائيليين المطالبين بإعادة الرهائن. إلا أن هذا الحدث، الذي تم في 12 مايو، حمل في طياته أبعادًا دبلوماسية حساسة، خاصة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فرغم أن عملية الإفراج جرت بوساطة من فريق مقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن شريكة في التنسيق، بل علمت بها عبر قنوات استخباراتية. أحد المسؤولين الإسرائيليين صرّح قائلًا: “أن يكون رئيس الوزراء على علم بمفاوضات أمريكية مع أعداء إسرائيل من خلال تقارير استخبارية وليس عبر الإدارة الأمريكية نفسها، هو وضع سيئ للغاية”.
ترامب عبّر عن أمله في أن يمثل هذا الإفراج “بداية للخطوات الأخيرة لإنهاء هذا الصراع الوحشي”، دون أن يكرر مطلب إسرائيل المعلن بإنهاء الحرب فقط بعد القضاء على حماس. من المرجح أن يكون ترامب قد عرض على حماس التزامًا بالضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار على غزة وقبول هدنة طويلة الأمد مقابل الإفراج عن ألكسندر، كونه آخر رهينة يحمل الجنسية الأمريكية داخل القطاع.
لكن خطط إسرائيل للتوسّع في عملياتها العسكرية داخل معظم مناطق غزة، ودفع السكان نحو “مراكز” توزع فيها كميات محدودة من الإمدادات، تتناقض الآن مع التوجهات الأمريكية، ومع رغبة غالبية الإسرائيليين الذين، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، يفضلون إنهاء الحرب من خلال اتفاق يعيد الرهائن.
التوتر بين واشنطن وتل أبيب لم يبدأ هنا. ففي 6 مايو، أعلن ترامب إنهاء الحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن بعد أن تعهدوا بوقف استهداف السفن الأمريكية. الإعلان لم يتضمن أي إشارة لهجماتهم على إسرائيل، ولم يتم إبلاغ الحكومة الإسرائيلية مسبقًا.
وقبل ذلك بأسابيع، فوجئ نتنياهو أثناء وجوده في البيت الأبيض بإعلان ترامب بدء محادثات نووية مع إيران. وكان نتنياهو قد احتفى سابقًا بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى. أما اليوم، فيبدو أن ترامب يمهد لاتفاق جديد لا مكان لإسرائيل فيه.
زيارة ترامب الأخيرة للشرق الأوسط، والتي شملت السعودية وقطر والإمارات، واستثنت إسرائيل، تؤكد تغيرًا في الأولويات. فبينما كان نتنياهو يأمل أن تثمر الزيارة عن تطبيع محتمل مع السعودية، أوضحت الرياض أنها لن تقدم على أي انفتاح دبلوماسي ما دامت الحرب في غزة مستمرة. ترامب، من جانبه، يسعى لعقد صفقات سلاح كبرى وربما اتفاقات نووية مدنية مع حلفائه الخليجيين.
هل للأمر بعد شخصي؟ في عام 2020، أثار نتنياهو غضب ترامب بتهنئته لجو بايدن بالفوز بالانتخابات. وقبيل تنصيب بايدن، أجبر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إسرائيل على قبول وقف لإطلاق النار في غزة. وبعد عودة ترامب إلى الرئاسة، ظن البعض أن العلاقات قد عادت لمسارها الطبيعي، خاصة مع استقبال نتنياهو كأول زعيم أجنبي في البيت الأبيض. لكن سرعان ما استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية بعد أن خرقت الهدنة وقطعت المساعدات، ما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 فلسطيني منذ ذلك الحين.
الآن، يبدو أن صبر ترامب قد نفد. وخلال لقاء مع عائلات الرهائن، صرح ويتكوف بأن “إسرائيل تطيل أمد الحرب، رغم أننا لا نرى أي تقدم إضافي ممكن”. وهذا أجبر نتنياهو على إرسال فريق إلى قطر لاستئناف المفاوضات مع حماس، بعد ضغوط أمريكية متزايدة لتحقيق نتائج سريعة.
نتنياهو، الذي عرف ترامب منذ ثمانينيات القرن الماضي حين كان سفيرًا لدى الأمم المتحدة، يجد نفسه اليوم خارج دائرة القرار، بينما تعقد الإدارة الأمريكية صفقات وتحاور خصوم إسرائيل بشكل مباشر. بعد أربعة عقود، يعود المشهد ليتكرر، وهذه المرة دون أن يملك نتنياهو أوراق التأثير.
اللوم، في النهاية، يقع على نتنياهو نفسه. فقد اعتمد على علاقاته في واشنطن لإجهاض أي تحرك مستقل لإنهاء الحرب، وواجه إدارة بايدن بشدة. أما اليوم، فهو يواجه رئيسًا لا يمنحه الوقت، ولا ينتظر منه شيئًا.