بعد مغادرة ترامب.. بريطانيا تقترب من الاعتراف بدولة فلسطين

تستعد بريطانيا لاتخاذ خطوة تاريخية طال انتظارها، عبر الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال الأسبوع المقبل، بحسب ما كشفت صحيفة “ذا تليجراف” البريطانية. ويأتي هذا التحرك وسط تزايد الغضب الشعبي والرسمي من جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، وتصاعد الضغوط الداخلية على حكومة كير ستارمر لتبني موقف أكثر وضوحًا تجاه الصراع. وبينما تحاول لندن موازنة علاقاتها مع واشنطن التي ترفض بشدة الاعتراف، تسعى في الوقت ذاته لإثبات التزامها بحل الدولتين. توقيت الخطوة، الذي تقرر بعد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يكشف حساسية القرار وتداعياته على المشهدين الدولي والإقليمي.
تأجيل القرار بسبب زيارة ترامب
أفادت تقارير بريطانية أن رئيس الوزراء كير ستارمر أجّل الإعلان عن الاعتراف بفلسطين حتى ما بعد زيارة دونالد ترامب الرسمية، خشية أن يُطغى القرار على المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقد في مقر تشيكرز. ومن المتوقع أن يصدر الاعتراف رسميًا خلال الأسبوع الجاري، في خطوة تُعد بمثابة تحوّل جذري في السياسة البريطانية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بعد سنوات من التردد.
واشنطن: الاعتراف “مكافأة لحماس”
الولايات المتحدة أبدت معارضة شديدة للخطوة البريطانية، حيث حذر الرئيس الأمريكي من أن الاعتراف بدولة فلسطين قد يُنظر إليه كـ”مكافأة لحماس”. وأكد وزير الخارجية ماركو روبيو أن واشنطن تسعى لإنهاء الحرب، لكنه أضاف: “عندما تتعامل مع مجموعة من المتوحشين مثل حماس، يكون الأمر في بعض الأحيان غير ممكن”. هذا الموقف الأمريكي يُبرز الانقسام الواضح بين الحلفاء التقليديين بشأن الملف الفلسطيني.

الأمم المتحدة على خط المواجهة
يأتي الإعلان البريطاني قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث يُتوقع أن تعلن عدة دول، بينها فرنسا وأستراليا وكندا، مواقف مشابهة. وبحسب التسريبات، فإن هذه الدول ستعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في حين تحاول بريطانيا الموازنة بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية والضغط على إسرائيل لوقف التصعيد. غياب كير ستارمر عن الاجتماع أثار التساؤلات، إذ ستمثل وزيرة الخارجية إيفات كوبر ووزير العدل ديفيد لامي المملكة المتحدة في المحفل الدولي.
ضغوط داخلية متزايدة على ستارمر
منذ يوليو الماضي، أعلن كير ستارمر أن الاعتراف بفلسطين سيكون خيارًا مطروحًا إذا لم توقف إسرائيل إطلاق النار وتلتزم بحل الدولتين. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي، تزايدت الضغوط الداخلية على الحكومة البريطانية؛ إذ حث ثلث مجلس الوزراء ستارمر على التحرك، ووقّع أكثر من 130 نائبًا رسالة لدعمه. هذه الضغوط الداخلية تعكس رغبة متنامية داخل حزب العمال لدفع بريطانيا نحو موقف أكثر جرأة في دعم القضية الفلسطينية.
موقف الحكومة من حماس
على الرغم من التوجه نحو الاعتراف، أكدت الحكومة البريطانية أنها لن تتعامل مع أي حكومة مستقبلية في غزة تضم حركة حماس. وقال متحدث رسمي: “كنا واضحين للغاية بأن حماس لا يمكن أن يكون لها أي دور في حكومات المستقبل”. هذا الموقف يعكس محاولة لندن الفصل بين دعمها لمبدأ الدولة الفلسطينية وبين رفضها لأي شراكة مع الفصائل المسلحة التي تعتبرها إرهابية.
مشهد إنساني ضاغط
تزامن التحرك البريطاني مع مشاهد مأساوية في غزة، حيث يتدفق آلاف الفلسطينيين النازحين من شمال القطاع إلى الجنوب، استجابة لأوامر الجيش الإسرائيلي. ومع استمرار القصف والدمار، وصف مسؤولون بريطانيون الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه “متهور ومروع”، محذرين من أنه سيؤدي إلى المزيد من الدماء وتعريض حياة المدنيين للخطر. هذه الصور الإنسانية ساهمت في تأجيج الغضب الدولي ودفع لندن لتسريع قرارها التاريخي.
خطوة تحمل تداعيات واسعة
اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين لن يكون مجرد إعلان سياسي عابر، بل خطوة ستعيد رسم خريطة المواقف الأوروبية والدولية تجاه الصراع. وبينما ترى لندن أن هذا القرار يمثل مساهمة في إعادة إحياء حل الدولتين، فإن توقيته يعكس قناعة متزايدة بأن الانتظار لم يعد خيارًا. ومع تعنت إسرائيل ورفض واشنطن، سيكون على بريطانيا مواجهة معادلة معقدة بين المبادئ السياسية وحسابات التحالفات الدولية.