عرب وعالم

السويد أو بريطانيا.. برلين تبحث عن بدائل لفرنسا في مشروع الطائرات الأوروبية

يبدو أن الشراكة الدفاعية بين برلين وباريس تواجه اختباراً حاسماً في ظل التوترات المتصاعدة بشأن برنامج الطائرات المقاتلة الأوروبية المستقبلية (FCAS)، الذي تصل تكلفته إلى نحو 100 مليار يورو. فبينما أُطلق البرنامج عام 2017 ليحل محل طائرات رافال الفرنسية ويوروفايتر تايفون الأوروبية بحلول عام 2040، إلا أن الخلافات الصناعية والسياسية بين ألمانيا وفرنسا تهدد مصيره. ومع عجز الشركاء عن تجاوز الجمود القائم، بدأت برلين تبحث علناً عن بدائل قد تشمل التعاون مع السويد أو المملكة المتحدة، أو حتى المضي في المشروع مع إسبانيا بمفردها. هذا الجدل يعكس حجم الإحباط الألماني، خاصة في وقت تتزايد فيه الحاجة الأوروبية إلى تعزيز دفاعاتها لمواجهة التهديد الروسي المتنامي.

 

برنامج طموح يواجه عقبات

برنامج القتال الجوي المستقبلي FCAS لا يقتصر على مجرد مقاتلة جديدة، بل يُعد منظومة متكاملة تسمى “نظام الأسلحة من الجيل التالي” (NGWS). هذه المنظومة تضم طائرة مقاتلة من الجيل السادس NGF مدعومة بطائرات بدون طيار، إلى جانب ربط كامل بالشبكات السحابية وأنظمة القيادة الحديثة. ورغم الطموح الكبير للمشروع، إلا أن التوترات بين الشركاء تهدد بعرقلته. فقد اتفقت باريس وبرلين، في يوليو الماضي، على محاولة تسوية الخلافات بحلول نهاية العام الحالي، لكن تعثر المحادثات أعاد للأذهان التساؤلات حول جدوى استمرار فرنسا وألمانيا في شراكة تتسم بالجمود والتنافس على النفوذ الصناعي.

برنامج FCAS يجمع مقاتلة جيل سادس وأنظمة مسيّرة، لكنه مهدد بخلافات فرنسية-ألمانية.

خلافات بين داسو وإيرباص

تكشف مصادر أوروبية أن الاستياء الألماني ينبع من ما تعتبره برلين “ضغوطاً فرنسية” لمنح شركة Dassault دوراً أكبر من حجمها داخل البرنامج على حساب Airbus المسؤولة عن الجانب الألماني. هذا الخلاف طال قضايا جوهرية مثل قيادة المشروع، وتقاسم التكنولوجيا الحساسة، وتقسيم أعمال الإنتاج. أما إسبانيا، التي تشارك عبر شركة Indra، فتجد نفسها عالقة وسط صراع بين باريس وبرلين قد يهدد استقرار الشراكة الثلاثية. ونتيجة لذلك، بدأت ألمانيا بالفعل استكشاف خيارات بديلة، بينها تعزيز التعاون مع المملكة المتحدة أو السويد، في محاولة لتفادي انهيار مشروع كان يفترض أن يكون ركيزة الصناعات الدفاعية الأوروبية لعقود مقبلة.

 

بريطانيا والسويد على الطاولة

المحادثات الألمانية مع شركة إيرباص مؤخراً كشفت عن تفكير جدي في إدخال شركاء جدد، أبرزهم المملكة المتحدة التي تقود حالياً برنامج القتال الجوي العالمي (GCAP) بالتعاون مع اليابان وإيطاليا. يمنح هذا البرنامج لندن قاعدة صناعية قوية وخبرة متقدمة في مجال تصميم الطائرات الشبحية وتكامل الأنظمة. أما السويد، التي انسحبت من GCAP، فما تزال تملك قدرات بارزة عبر شركة Saab المنتجة لمقاتلات Gripen، بفضل خبرتها في الإلكترونيات العسكرية وهياكل الطائرات خفيفة الوزن. هذه المؤهلات تجعل من البلدين خيارين مطروحين أمام برلين في حال قررت استبعاد باريس من المشروع الأوروبي.

برنامج FCAS يجمع مقاتلة جيل سادس وأنظمة مسيّرة، لكنه مهدد بخلافات فرنسية-ألمانية.

ضغوط سياسية في باريس

يأتي هذا الجدل الصناعي في وقت حرج بالنسبة لفرنسا، التي تشهد اضطرابات سياسية بعد سقوط حكومة فرانسوا بايرو إثر تصويت بحجب الثقة، ما مهد الطريق لتولي سيباستيان ليكورنو رئاسة الوزراء. ويُنظر إلى ليكورنو، بصفته وزير الدفاع السابق، على أنه شخصية محورية قد تنجح في دفع شركات الدفاع الفرنسية إلى مائدة التفاوض، أو على العكس، قد تؤدي مواقفه المتشددة إلى مزيد من التوتر مع برلين. ولهذا تراقب ألمانيا عن كثب خطوات رئيس الوزراء الجديد، إذ إن موقفه سيحدد ما إذا كان المشروع سينتقل إلى المرحلة الثانية بإنتاج نموذج تجريبي، أم سيتجه نحو التفكك وفتح الباب أمام شراكات بديلة.

 

ساعة الحقيقة تقترب

مع اقتراب نهاية العام، يتسارع النقاش داخل برلين حول مستقبل برنامج (FCAS). فالألمان يبدون إصراراً على الإسراع في اتخاذ قرار، إدراكاً منهم أن أي تأخير جديد سيضعف فرص أوروبا في تطوير مقاتلة من الجيل السادس قادرة على منافسة الولايات المتحدة والصين. وفي ظل استمرار الغموض بشأن التوافق مع فرنسا، يزداد وزن الخيارات البديلة المطروحة أمام ألمانيا بالتعاون مع المملكة المتحدة والسويد، أو حتى الشروع في مشروع مشترك مع إسبانيا وحدها. وبينما تدق الساعة، يبقى السؤال: هل تستطيع باريس وبرلين تجاوز خلافاتهما وإحياء المشروع الأوروبي الطموح، أم أن الطموح سيتبدد لصالح تحالفات جديدة تعيد رسم خريطة الصناعات الدفاعية في القارة؟

اقرا ايضا

اعتماد قرار مصري لتطبيق ضمانات منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى