
في أحد صباحات الربيع الدافئة، استقلت آلا شيرشونكوفا الحافلة رقم 62 متجهة إلى كوخها الريفي قرب مدينة سومي الأوكرانية، دون أن تدرك أن هذه الرحلة البسيطة ستتحول إلى لحظة فاصلة في حياتها. كانت الطيور تغرّد والسماء صافية، والمزاج العام يوحي بيوم هادئ. على متن الحافلة، كان الزحام شديدًا، إذ كانت العائلات والأطفال في طريقهم إلى الكنائس للاحتفال بأحد السعف، في أجواء من الطمأنينة.
لكن هذه الطمأنينة لم تدم طويلًا. بعد دقائق من وصول الحافلة إلى وسط المدينة، دوّى انفجار ضخم، تلاه آخر، لتتحول سومي إلى ساحة مأساة دامية. الانفجار المزدوج، الذي نفذته روسيا بصواريخ “إسكندر”، تسبب بمقتل 35 شخصًا، بينهم طفلان، وأصاب العشرات، بينهم نساء وأطفال. كان هذا الهجوم الأكثر دموية خلال العام الجاري، ليؤكد أن الحرب ما زالت تُمعن في استهداف الأبرياء، وسط صمت دولي وتراجع في المواقف الغربية.وفقًا لتقرير الجارديان
دويّ الانفجار… ثم الجحيم
عند وصول الحافلة إلى وسط المدينة، سمعت آلا دويّ انفجار قوي، تلاه آخر خلال لحظات. “كنت جالسة خلف السائق، وعندما سمعت الصوت، غطيت رأسي بذراعيّ. بعدها، تناثرت الصخور والزجاج وكل شيء من حولي”، تروي.
تقول إن الدم كان يندفع من ذراعها، والسيارات كانت تحترق، والجثث ممددة تحت قدميها. حاول بعض الركاب الفرار عبر النوافذ، فيما فتَح مراهق الباب لتخرج آلا منه متعثّرة بالدماء والدخان.

هجوم مزدوج يترك سومي في حداد
بحسب صحيفة The Guardian، كان الهجوم المزدوج بصواريخ “إسكندر” أحد أكثر الضربات دموية منذ بداية الغزو الروسي، حيث أودى بحياة 35 شخصًا، بينهم طفلان في السابعة والحادية عشرة من عمرهما. في مكان سقوط الصواريخ، ترك السكان دبًّا وهِرًّا لعبة، وسيارة صغيرة وكرة، في مشهد يختصر الحزن.
الهجوم استهدف مركز مؤتمرات جامعي، ثم شارعًا حيويًا، حيث تحولت المدينة إلى مشهد جحيمي، بأشلاء على الأرض وطفلة تبكي وسط الدماء.
إصابات حرجة… وأمل مفقود
من بين 129 مصابًا، هناك 15 طفلًا، بعضهم في حالة حرجة. “بين الحياة والموت”، هكذا وصفتهم ممرضة في مستشفى المدينة، في حديثها للـObserver. الطواقم الطبية تعمل دون توقف، فيما يحتفظ البعض بآمال ضعيفة.
غضب من موقف واشنطن: “ترامب يدعم روسيا”
مع تصاعد العنف، بدا أن التسوية السلمية أبعد ما تكون. الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ألمح إلى “تخليه” عن الوساطة، وقلّل من شأن الضربة على سومي، واصفًا إياها بـ”الخطأ”.
آلا شيرشونكوفا عبّرت عن غضبها: “ما حدث إرهاب واضح، لا شيء غير ذلك. ترامب يدعم روسيا الآن. أتمنى لو يأتي ليرى ما يفعله صديقه بوتين هنا”.

شهادة من رماد الحافلة: “إنهم يحاولون إبادتنا”
هينادي سميلياروف، 72 عامًا، كان أيضًا على متن الحافلة حين سقطت الشظايا في صدره ورأسه. يتذكر: “الدخان كان كثيفًا كأنك داخل ضباب. انهرت داخل الحافلة، وشعرت أنني فقدت كل قوتي”.
سحبه متطوع من سترته الجلدية إلى الرصيف، حيث أُسعف لاحقًا. يقول إن ما تفعله روسيا هو “إبادة جماعية”، ويؤكد أن فكرة “العالم الروسي” تهدف إلى “احتلال الجميع”، على حد تعبيره.

“لن أمشي مجددًا؟ الله وحده يعلم”
في المستشفى ذاته، يرقد فيكتور فويتينكو، حارس أمني في معهد الفيزياء. أصيب بشظية في العمود الفقري إثر الضربة الثانية. يقول: “اتصلت بزوجتي فورًا. وصلت خلال خمس دقائق، ثم نقلتني الشرطة”.
رغم نجاح العملية الجراحية، فإن الأطباء لا يضمنون له القدرة على المشي مجددًا. فويتينكو، الذي عمل سابقًا في تنظيف كارثة تشيرنوبل، يصف الواقع بالمرير: “كان لدينا كل شيء قبل الحرب. الآن نحن في خراب”.

ساعة الدمار توقفت: 10:20 صباحًا
الانفجار دمّر أبواب معهد يعود للقرن التاسع عشر، وتوقف فيه الزمن عند لحظة الانفجار: الساعة 10:20 و40 ثانية صباحًا. في الجهة المقابلة، أُحدثت فجوة ضخمة في مبنى الاقتصاد والأعمال.
من دروس الحرب الباردة إلى النجاة
آلا شيرشونكوفا تعزو نجاتها إلى درس تلقّته في خمسينيات القرن الماضي، حين كانت تلميذة في الاتحاد السوفييتي: “علمونا كيف نحمي رؤوسنا ونغلق أفواهنا عند الانفجارات النووية. هذا ما فعلته. غرائز البقاء القديمة أنقذتني”.
وبعد خروجها من المستشفى، تأمل فقط أن تعود إلى شرفتها لترى ما إذا كانت الطماطم والفلفل التي زرعتها ما زالت تنمو.