استراتيجيه التحدي لنتنياهو أمام اختبار غير مسبوق
نتنياهو أمام اختبار دبلوماسي غير مسبوق: الاعتراف الدولي بدولة فلسطين

في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب المجاعة والدمار في غزة، يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه في مواجهة أزمة دبلوماسية تتسع رقعتها بسرعة. مشاهد المعاناة الإنسانية التي تتدفق من القطاع دفعت دولًا غربية كبرى – بينها بريطانيا وفرنسا وكندا – إلى إعلان نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، في خطوة تمثل تحولًا تاريخيًا في مواقف هذه العواصم. ورغم اللهجة المتحدية التي يتبناها نتنياهو ومسؤولوه، تبدو ملامح القلق واضحة، خاصة مع اتساع دائرة الاعتراف الدولي وتنامي العزلة السياسية والاقتصادية. المشهد الراهن يعكس ما حذر منه منتقدو نتنياهو منذ سنوات: “تسونامي دبلوماسي” يقترب، وربما أصبح واقعًا.
تزايد الاعتراف الدولي بفلسطين يغيّر المعادلة
حتى وقت قريب، كانت أغلبية الدول المعترفة بفلسطين تنتمي إلى معسكر الجنوب العالمي، لكن انضمام قوى اقتصادية وسياسية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وكندا – ثلاث من دول مجموعة السبع – إلى هذا المسار يعيد رسم خريطة الاصطفاف الدولي. كما شهدت الأمم المتحدة هذا الأسبوع مؤتمرًا خاصًا حضرته 125 دولة دعت إلى إحياء حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. هذه التحركات لا يمكن وصفها بأنها “لا شيء”، كما يروج بعض المسؤولين الإسرائيليين، بل تمثل تحولًا نوعيًا في الموقف الغربي التقليدي.
الرد الإسرائيلي بين الاستهتار والتصعيد
ردود الفعل الإسرائيلية تراوحت بين الاستخفاف والاتهام. فقد وصف نائب عمدة القدس الموقف البريطاني بأنه “ضجة بلا طائل”، فيما اتهم نتنياهو قادة الغرب بانتهاج سياسة “الاسترضاء” تجاه ما أسماه “الإرهاب الجهادي”، مستحضرًا خطابات تاريخية عن تشرشل وتشيمبرلين ومؤتمر ميونخ 1938. هذه المقارنات، وفق محللين، تحمل قدرًا من المبالغة وتشويه السياق، إذ لا يمكن تشبيه مسعى الفلسطينيين لتقرير المصير بالتمدد النازي في أوروبا.
رفض الربط بين الاعتراف وحماس
من بين الاعتراضات الإسرائيلية أن الاعتراف بفلسطين مكافأة لحركة حماس على هجوم 7 أكتوبر 2023، لكن وثيقة نيويورك التي وقعتها دول عربية بارزة – بينها السعودية ومصر وقطر – حملت إدانة صريحة للهجوم، ودعت حماس لإنهاء حكمها في غزة وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية. كما أن تصريحات قادة الغرب أوضحت أن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون تحت قيادة السلطة الفلسطينية، وليس حماس، ما ينفي رواية “المكافأة”.
ملف الأسرى الإسرائيليين في قلب الجدل
أكثر الانتقادات حساسية جاءت من عائلات وأطراف تطالب بالإفراج عن 20 أسيرًا إسرائيليًا ما زالوا محتجزين في غزة. هؤلاء يرون أن تعهد بريطانيا بالمضي في الاعتراف بفلسطين حتى لو لم يتم التوصل لصفقة تبادل، يشجع حماس على عدم إتمام أي اتفاق. لكن المدافعين عن القرار يرون أن حماس ليست معنية أصلاً بحل الدولتين، وأن التخلي عن الاعتراف سيعني منحها حق نقض غير مباشر على المسار السياسي.
الاعتراف كإجراء رمزي يكشف حدود القوة الغربية
رغم قوة الرسائل السياسية، فإن الاعتراف بدولة فلسطين لن يطعم طفلًا واحدًا في غزة، كما أن تجاهل نتنياهو لمطالب لندن وباريس سيكشف حدود نفوذهم. ومع ذلك، يرى مؤيدو الخطوة أن الانتظار حتى بدء عملية سلام جادة لم يعد واقعيًا، وأن الاعتراف الآن يحافظ على ما تبقى من فكرة حل الدولتين قبل أن تتلاشى بالكامل على الأرض.
عزلة متزايدة وخيارات محدودة أمام تل أبيب
نتنياهو يراهن على أن الدعم الأمريكي – وتحديدًا الجمهوري – يكفي لصد الضغوط الدولية، متجاهلًا نصف الطيف السياسي في واشنطن ومعظم القوى الغربية الأخرى. لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، خاصة أن جناحًا من حركة “ماغا” داخل الحزب الجمهوري يبدي عداءً متزايدًا لإسرائيل، في حين يحتاج الاقتصاد الإسرائيلي إلى علاقات تجارية مستقرة مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
تزايد إدراك الإسرائيليين لكلفة العزلة
شيئًا فشيئًا، يبدأ الرأي العام الإسرائيلي في ملاحظة آثار العزلة، من تراجع الدعم الدولي إلى مشكلات عملية مثل المضايقات التي يواجهها السائحون الإسرائيليون في الخارج. هذا الوعي الداخلي ربما يفسر حدة الخطاب الرسمي في مواجهة المواقف الغربية، في محاولة لإظهار الصلابة وإخفاء القلق من فقدان الحلفاء التقليديين.