عربي وعالمي

حزب العمال البريطاني بين مطرقة اليمين وسندان التقدميين: دروس المواجهة العاجلة

تهديدات متزايدة من "ريفورم" والخضر تكشف ثغرات استراتيجية حزب العمال

في ظل نتائج الانتخابات الأخيرة المتواضعة، يبدو أن حزب العمال البريطاني يواجه تحديات متزايدة، وقد يكون القادم أسوأ إن لم يتحرك بسرعة. مع اقتراب انتخابات المجالس المحلية في مايو، تتربص به تهديدات من اليمين عبر حزب “ريفورم”، ومن اليسار عبر الخضر والديمقراطيين الليبراليين والمستقلين، خاصة في المدن. حتى كير ستارمر، رغم فوز الحزب العام، خسر 17% من الأصوات في دائرته. مؤشرات انتفاضات محلية تلوح في الأفق إذا لم تُعالج القضايا الجوهرية.

خطر التقدميين أكبر من “ريفورم”: الحسابات الانتخابية المغلوطة

يركّز بعض مستشاري ستارمر على تهديد “ريفورم”، متغافلين عن تسرب أصوات الناخبين نحو الأحزاب التقدمية. تحليل أجرته “Persuasion UK” يُظهر أن الحزب مهدد بفقدان 250 مقعدًا لصالح الخضر والليبراليين، مقابل 123 فقط لـ”ريفورم”. واستطلاعات الرأي تؤكد أن الناخبين العماليين يميلون أكثر نحو الخضر (29%) والليبراليين (41%) مقارنة بـ”ريفورم” (11%). التركيز على اليمين استنزاف خاطئ للموارد.

فخ الهجرة: التركيز على مشكلة غير موجودة

التركيز على الهجرة، خاصة الطلاب الأجانب، يُعد فخًا سياسيًا. تقليص أعداد هؤلاء الطلاب يهدد قطاعًا تعليميًا قيمته 40 مليار جنيه إسترليني، دون أن يؤثر فعليًا على جمهور “ريفورم”. بينما الطلاب يحظون بدعم شعبي، سيؤدي هذا القرار إلى ضرر اقتصادي كبير في المدن، حيث تعتمد مئات الآلاف من الوظائف على التعليم العالي.

إعادة تنظيم الحكم المحلي: فرصة تُمنح لليمين

مقترح إعادة رسم خرائط الحكم المحلي، رغم عدم وروده في البرنامج الانتخابي، يُعد خطأ استراتيجيًا. هذا المشروع سيؤدي إلى دمج المجالس في وحدات محافظة أو مؤيدة لـ”ريفورم”، ما يهدد المجالس العمالية في مدن كبرى مثل أكسفورد وبرايتون. ونتيجته ستكون حرمان الحزب من السيطرة على التخطيط العمراني، وتقييد مشروع بناء 1.5 مليون منزل.

فشل إصلاح النظام الانتخابي: فرصة ضائعة

رغم امتلاك حزب العمال للسلطة، لم يبادر بإصلاح النظام الانتخابي، وترك نظام “الفائز الأول” قائمًا في الانتخابات المحلية. هذا يسمح لأحزاب كـ”ريفورم” بالفوز دون أغلبية حقيقية، ويصعب على التحالفات التقدمية تحقيق نتائج عادلة. الإبقاء على هذا النظام يخدم مصالح الخصوم، ويُعد تقصيرًا كبيرًا في الاستفادة من السلطة.

فاراج لا يزال تهديدًا: وهم تفكك الخصم

يراهن البعض على تفكك “ريفورم” بفعل الفضائح، لكن نايجل فاراج يظل لاعبًا ذكيًا وخطيرًا. رغم تطرف بعض عناصر حزبه، فإنه يتقن التهرب من المسؤولية، ويجذب الناخبين من خلال صورته “الغاضبة والمبتهجة”. فشله في الحكم لا يقلل من جاذبيته في أعين كثيرين.

النجاح يكمن في التفاصيل: السياسات الكبرى وحدها لا تكفي

يركّز الحزب على مشاريع كبرى كالطاقة والمدن الجديدة، لكنها بعيدة الأثر. أما التأثير الفوري فيكمن في تحسين حياة الناس اليومية: معالجة التشرد، تنظيف المدن، إصلاح البنية التحتية، وصيانة المرافق العامة. هذه المبادرات الصغيرة تُظهر اهتمامًا حقيقيًا من الحكومة بحياة المواطنين، وقد تكون مفتاح النجاح الانتخابي.

التحرر من الخوف: كسر عقدة فاراج

يجب على حزب العمال التخلص من عقدة نايجل فاراج. رغم ظهوره الإعلامي، فإنه من الشخصيات الأقل شعبية، بحسب استطلاعات “YouGov”. على الحزب أن يستعيد شجاعته التقدمية، ويواجه اليمين المتطرف دون تردد، مستلهمًا تجارب ناجحة من كندا وأستراليا. لا وقت للمماطلة، فالعمل يجب أن يبدأ الآن.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى