عربي وعالمي

اندفاع دونالد ترامب نحو السلطة المطلقة: تحديات الكونغرس والمأزق القضائي الأمريكي

المحكمة العليا: الأمل الأخير في مواجهة تجاوزات السلطة التنفيذية

في اليوم التاسع والتسعين من ولايته الأولى، وتحديدًا في 28 أبريل 2017، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استيائه من النظام السياسي الأميركي، واصفًا إياه بـ”المتعب والقديم”، مشيرًا إلى أن تجاوزه قد يكون لمصلحة الأمة. ومع عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، يبدو أن عزمه أكبر على تجاوز هذا النظام بكل ما يحويه، بما في ذلك الكونغرس، رغم سيطرة الجمهوريين عليه.

أولويات غير تقليدية في الأيام المئة الأولى

خلافًا للرؤساء الأميركيين السابقين الذين يسعون لتحقيق إنجازات تشريعية خلال الأيام المئة الأولى، استغل ترامب تلك الفترة لتعزيز سلطات تنفيذية غير مسبوقة، مُرسخًا رؤيته الخاصة لمفهوم السلطة الرئاسية. فقد فرض رسومًا جمركية عالية، قلّص البيروقراطية الفيدرالية، وهاجم خصومه السياسيين بلا هوادة. ورغم غياب تشريعات بارزة، اعتُبرت تلك الفترة من أكثر الفترات تأثيرًا في تاريخ الرئاسة الحديثة.

السلطة التنفيذية كامتداد شخصي للرئيس

في 18 فبراير، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا ينص على أن الرئيس والمدعي العام فقط هما المخولان بتفسير القوانين داخل السلطة التنفيذية، وأن هذه التفسيرات مُلزمة لجميع الموظفين الفيدراليين. وبذلك، أصبحت السلطة التنفيذية انعكاسًا مباشرًا لشخص الرئيس، مما يثير تحديات دستورية عميقة.

صدام متصاعد مع القضاء

تشهد المحاكم الأميركية موجة من الدعاوى القضائية ضد قرارات ترامب، تقدمت بها جامعات كجامعة هارفارد وشركات تضررت من سياساته. ومع تعطل دور الكونغرس، أصبحت المحكمة العليا الأمل الوحيد لكبح جماح السلطة التنفيذية. في المقابل، تعرب إدارة ترامب عن غضبها من أحكام القضاة الفيدراليين، بل وتلمح أحيانًا إلى تجاهلها، ما يُهدد مبدأ سيادة القانون.

كونغرس ضعيف بلا تأثير

يعاني الكونغرس الأميركي من انقسام حزبي حاد جعله عاجزًا عن أداء مهامه التقليدية، كإقرار الميزانية أو الرقابة على المؤسسات الفيدرالية. والأسوأ أن كثيرًا من الجمهوريين، رغم امتعاضهم من سلوك ترامب، يلتزمون الصمت خوفًا من خسارة القواعد الانتخابية. وقد تجاهل ترامب قانونًا أقرّه الكونغرس بشأن شركة “تيك توك”، مبررًا قراره بمخاوف أمنية غامضة. بل إنه هدد بعدم تنفيذ بنود تمويل أقرت قانونيًا، مما يقوّض مبدأ “سلطة الإنفاق” الذي يحتكره الكونغرس منذ تأسيس الدولة.

المحكمة العليا أمام اختبار تاريخي

من المرتقب أن تنظر المحكمة العليا في مايو في مرافعات بشأن مساعي إدارة ترامب لإنهاء الحق الدستوري في “المواطنة بالولادة”، رغم وضوح نص التعديل الرابع عشر. هذه القضية تُعد واحدة من سلسلة معارك قضائية مستقبلية يمكن أن تُعيد رسم حدود السلطة الرئاسية. وإذا رفض ترامب قرارات المحكمة، فقد يكون ذلك نقطة فاصلة تهدد التوازن بين السلطات.

تفكيك الضوابط الداخلية للسلطة التنفيذية

لا يتوقف تجاوز ترامب عند تجاهل الكونغرس أو القضاء، بل يشمل كذلك تفكيك منظومة الرقابة داخل السلطة التنفيذية نفسها. فقد همّش دور “مكتب المستشار القانوني” بوزارة العدل، الذي يُفترض أن يراجع أوامر الرئيس لضمان قانونيتها. ويرى المدير السابق لهذا المكتب، جاك غولدسميث، أن الإدارة ألغت عمدًا كل الضوابط القانونية والأخلاقية التي تُقيّد الرئيس، حتى بات موظفو الدولة يُخضعون لاختبارات ولاء شخصية.

نذير “دولة مزدوجة” على النمط الصيني

يحذر أستاذ القانون عزيز حق من نشوء نظام قانوني مزدوج في الولايات المتحدة: أحدهما للمواطنين العاديين، وآخر لمن تضعهم الدولة في دائرة الاستهداف، حيث تسود الاعتقالات التعسفية والقرارات السياسية الانتقامية. هذا النموذج مألوف في أنظمة سلطوية كالصين وسنغافورة، ويهدد بانزلاق أميركا إلى ما يشبه “الدولة المزدوجة”.

هل هناك أمل في التغيير؟

مع استمرار سيطرة الجمهوريين على الكونغرس حتى عام 2027، تبدو فرص المواجهة التشريعية لسلطة ترامب محدودة للغاية. ويبقى الأمل الوحيد في المدى القريب أن تؤدي سياساته الاقتصادية المتطرفة إلى تراجع شعبيته. أما داخل إدارته، فلا تظهر مؤشرات على أي رغبة في الإصلاح الذاتي أو ضبط السلوك الرئاسي.

المحكمة العليا.. آخر خط دفاع

أمام انسحاب الكونغرس وانهيار آليات الضبط الداخلية، تقف المحكمة العليا، بقيادة القاضي جون روبرتس، كآخر حصن فعّال لحماية الدستور الأميركي. هذه المؤسسة القضائية قد تجد نفسها في مواجهة تاريخية لا تحدد فقط مصير الرئاسة، بل مستقبل النظام السياسي الأميركي برمّته.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى