شخصيات و شركات ملهمة

فوضى الدجاج في السينما: عندما تتحول مشاهدة ماينكرافت إلى معركة بوبكورن

إذا كنت تعرف معنى “تشكن جوكي”، فأنت إما صبي في سن ما قبل المراهقة، أو كنت مرافقًا لأحدهم مؤخرًا إلى عرض سينمائي لفيلم ماينكرافت.
هذا الفيلم، أحدث إنتاجات وارنر براذرز المقتبس عن اللعبة السويدية الشهيرة، أصبح ضرورة اجتماعية لأطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة. وبينما تتيح لهم اللعبة إعادة تشكيل عالم رقمي مكوَّن من المكعبات، يبدو أن الفيلم يمنحهم فرصة لاختبار حدود الأدب داخل صالة العرض، متسببين بصداع لا يُحسد عليه أي عامل دور سينما.

في الآونة الأخيرة، انتشرت ظاهرة مثيرة للسخرية: ينتظر الأطفال لحظة محددة يظهر فيها زومبي يركب دجاجة – نعم، زومبي على دجاجة! – وعندها، يصرخ أحد الشخصيات (التي يجسدها جاك بلاك) قائلاً “تشكن جوكي!”، لتبدأ بعدها فوضى كاملة، يتطاير فيها البوبكورن، وأحيانًا يظهر أحد الأطفال حاملًا دجاجة حقيقية على كتفيه.

قد يبدو هذا المشهد فكاهيًا على مواقع التواصل، لكنه كابوس للموظفين الذين يُتركون لتنظيف آثار الوجبات المهروسة في السجاد. ومع ذلك، لا يمكننا إنكار أن فيلم ماينكرافت ليس من النوع الذي يتوقع منه جمهور بالغ ملتزم الصمت. فبهجة الأطفال عند رؤية لحظة مألوفة من اللعبة أمر مفهوم، ولا يعادل إزعاج مشاهد أفلام فنية تحتاج لصمت مطبق.

ومن الجدير بالذكر أن هذه “الفوضى المنظمة” لم تكن شائعة في أولى عروض الفيلم في بريطانيا، لكن مع انتشار مقاطع الفيديو من دور عرض أميركية – إحداها في نيوجيرسي حظرت دخول القاصرين بمفردهم – بدأت العدوى تنتشر، ومعها موجات تقليد وتحديات مصورة وغضب عام. ظواهر الطفولة تتبدل، لكن الهستيريا الجماعية المحيطة بها لا تتغير كثيرًا.

في جوهرها، ظاهرة “تشكن جوكي” ليست سوى تسلية طفولية غير مؤذية نسبيًا، إلا على العاملين الذين يتقاضون أدنى الأجور. ومن اللافت أن الشركة المنتجة شجّعت هذه الفوضى، على أمل استقطاب الجمهور من جديد إلى دور السينما، في عصر المشاهدة المنزلية. المخرج جاريد هيس نفسه صرّح بأنه “يموت ضحكًا” مع كل فيديو يصله. إنها النسخة الفوضوية من تشجيع النساء على ارتداء اللون الوردي لحضور باربي، أو الأخضر لفيلم ويكد.

لكن هذا النقاش يأتي في وقت تحتدم فيه الخلافات حول آداب الحضور في الفعاليات الفنية بعد الجائحة، سواء في دور السينما أو المسرح أو الحفلات الموسيقية. المنتجون يتساءلون: إلى أي مدى يمكن تحويل زيارة المسرح أو السينما إلى تجربة “تفاعلية”، دون أن يُفرّغ ذلك الفن من مضمونه؟ وهل يبعد ذلك الجمهور التقليدي؟

المسرح كان أكثر من شعر بالأزمة. ففي حادثة شهيرة، أدينت أختان بالاعتداء على زوجين طلبا منهما خفض الصوت أثناء عرض مسرحي في غلاسكو، بحجة أن “الاستمتاع يشمل الصراخ والضجيج”. وفي موقف آخر، اضطرت المذيعتان أليسون هاموند وفانيسا فيلتز إلى الاعتذار بعد دفاعهما عن “الغناء مع العرض الموسيقي”، ما أثار موجة انتقاد من المتخصصين في المسرح.

بوصفي ناقدة مسرحية تقضي ما يصل إلى أربع ليال أسبوعيًا في العروض، أؤمن أن الصمت في المسرح ليس رفاهية، بل ضرورة. أي صوت يمكنه تشتيت تركيز الممثلين والموسيقيين الذين يتأثرون بأدق الأصوات. كما قال لي أحد المغنين: “نسمع صوت كل غلاف حلوى، ونلاحظ أي ضوء ينبعث من هاتف”.

حتى حفلات الروك والراب، التي تتقبل بعض التفاعل، بدأت تعاني من جمهور يبحث عن لحظة شهرة رقمية بأي ثمن. فنانة مثل بينك صُدمت عندما ألقى أحدهم برماد بشري على المسرح، وكاردي بي ردّت بإلقاء ميكروفونها على شخص رشّ عليها مشروبًا. يبدو أن بعض الحضور نسي تمامًا كيف يتصرف.

ولهذا، بدأ بعض المخرجين المسرحيين باستخدام “خطبة ما قبل العرض”، يلقونها عبر شخصية من العمل نفسه، لتذكير الجمهور بآداب الحضور. كان يُنظر لهذه الفكرة على أنها “نخبوية”، لكنها أثبتت فعاليتها. في مسرحية The Devil Wears Prada مثلاً، لعبت شخصية متعجرفة دور الموجه، ولم أرَ جمهورًا يطفئ هواتفه بهذه السرعة من قبل.

لكن إن كان المسرح أكثر تأثرًا، فإن السينما أيضًا ليست بمنأى عن ذلك. لا يزال تأثير الجمهور المحيط بك كبيرًا على تجربتك. فيلم ماينكرافت ذكّرني بفيلم مختلف تمامًا: الابنة الضائعة، حيث تجسد أوليفيا كولمان امرأة وحيدة تحاول الاستمتاع بفيلم في عطلتها، فيعكر أولاد مراهقون صفو اللحظة بإلقاء البوبكورن. السؤال حول من يملك التحكم في أجواء التجربة الجماعية هو في الحقيقة سؤال عن السلطة… من يشعر أنه فوق القانون؟ ربما حان الوقت ليضع الكبار الحدود من جديد.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى