غرام على ارتفاع 30 ألف قدم: رواية عن امرأة تعشق الطائرات حد الجنون

في زمنٍ كانت فيه فكرة التحليق في السماء ضربًا من الخيال، لو أخبرنا أجدادنا أننا نستطيع اليوم الطيران على ارتفاع سبعة أميال فوق سطح الأرض، لنظروا إلينا بدهشة مبهورة. لكن الطيران المعاصر فقد بريقه: المقاعد ضيقة، المعاملة فظة، والفول السوداني لم يعد مجانيًا. أصبح السفر الجوي مرآةً للغضب الاجتماعي، وعنوانًا للاستياء السياسي، خصوصًا بعد سلسلة من الكوارث الجوية في الولايات المتحدة، وتخفيضات كبيرة في تمويل إدارة الطيران الفيدرالية (FAA).حسب صحيفة الجارديان
في هذا السياق القاتم، تصدر رواية Sky Daddy، أولى أعمال الكاتبة كيت فولك، الكاتبة والسيناريست من سان فرانسيسكو. تحكي الرواية قصة “ليندا”، امرأة غريبة الأطوار تبحث عن الحب، لكن ليس بين البشر – بل في أحضان طائرة ركاب تسقط من السماء.

“كنت أؤمن أن هذا قدري”، تقول ليندا، “أن تتعرف علي طائرة في منتصف الرحلة كروحها التوأم، وتستسلم للعاطفة، فتسقط بنا إلى الأرض، في كارثة توحد أرواحنا إلى الأبد”.
ليندا ليست شخصية عادية. إنها مهووسة بمحاكاة حوادث الطيران، تعتبر صالات المطارات مناطقها الخاصة “للمتعة الحمراء”، وتصف الطائرات بعبارات جنسية صادمة: “محركاتها الخصوية”، و”العتاد المثير للهبوط”، وترى في طراز إيرباص A320 “أوسم وجه بين الطائرات”.
حتى الطائرات ذات السمعة السيئة، مثل “دي سي-9″، تراها جذابة كـ”الفتى السيئ”. ليندا تنفق كل ما تملك في السفر الجوي، وتقول: “مثل المواعدة، الموت في حادث طائرة لعبة أرقام”.
لكن Sky Daddy ليست مجرد مزحة غريبة أو محاولة للسخرية من هوس امرأة. فحسب كيت فولك، ليندا تمثل هوسًا روحانيًا أكثر منه مرضيًا. تقول فولك: “أتخيلها شخصًا حقيقيًا، من الصعب تصديق أنني من ابتكرها”.
طفولة فولك في ولاية آيوا البعيدة عن البحار كانت مليئة بقراءة الأدب الكلاسيكي. وتحديدًا موبي ديك، الذي أثّر فيها بوصفه للغموض والروحانية. واليوم، ترى أن ليندا مزيج من إسماعيل وأهاب، تبحث عن السيطرة على قوى الطبيعة – كما يفعل الإنسان مع الحيتان أو الطائرات، فكلاهما كما تقول – “يعمل بالزيت”.
في عالمها الخاص، تؤمن ليندا أن “كل الطائرات ذكور، وكل القوارب إناث، والمروحيات تحمل أرواح أطفال مشاغبين”. هي امرأة ابنة عصر الإنترنت، تتابع الطائرات عبر المواقع، تبحث في أرشيف الحوادث، وتعمل كمنسقة محتوى في قسم “الكراهية والتحرش” لدى شركة تكنولوجيا، تمسح أسوأ ما يُنشر على الإنترنت مقابل أجر زهيد.
وبالتالي، Sky Daddy ليست فقط رواية عن الطيران والهوس، بل أيضًا عن العمل القاسي غير المرئي في عصر الرقمنة. كما تعكس الرواية، وإن بشكل غير مباشر، تدهور البنية التحتية في أمريكا، وتقاعس الدولة عن حماية مواطنيها.
الطيران، كما تقول فولك، هو نقيض “الحلم الأمريكي” القائم على التحكم والمبادرة. فالصعود إلى طائرة هو تسليم إرادي للمجهول. “كلما ركبت طائرة، أدركت كم أنني لست في موقع السيطرة”، تقول.

ولا يبتعد هذا الاستسلام عن قلق العصر: أزمة المناخ، الغموض الوجودي، والتحليق نحو المجهول. تعكس ليندا رغبة في الفناء – ولكنها أيضًا تبحث عن المعنى. عن اختيارها، عن أن تكون مميزة في هذا العالم التالف.
وفي لحظة صدق نادرة، تصف ليندا شعورها: “لا توجد علاقة حميمة أعظم من أن نكون ركابًا على رحلة محكوم عليها بالهلاك”.
رواية Sky Daddy، برغم غرابتها، تلامس جوهرًا عميقًا فينا: القلق، التوق، والبحث عن مغزى في عصر فقد فيه كل شيء وزنه. ربما نحن جميعًا ليندا، نطير نحو النهاية، ونرجو أن لا تكون بلا معنى.
اقرأ ايضًا: أمينة خليل: «لام شمسية» ناقش قضية التحرش بالأطفال بجرأة.. ورمضان كان التوقيت الأنسب