الا ندفاعه الجديدة نحو الذهب:الصراع بين الدول والمنقبين غير الشرعيين يهدد بالانفجار
صراع الذهب: الدول والمنقبون غير الشرعيين في مواجهة محتدمة

تشهد دول كثيرة حول العالم – من البرازيل والكونغو الديمقراطية إلى السودان وإندونيسيا – موجة جديدة من التنقيب المحموم عن الذهب. لكنها ليست كالاندفاعة الذهبية التي شهدتها كاليفورنيا في القرن التاسع عشر. فاليوم، يمتلك الذهب دولٌ تتحكم في ثرواته وتمنع على المنقبين التقليديين – المعروفين بـ”المنقبين الحرفيين” – أي فرصة قانونية للمشاركة، مما يدفعهم إلى العمل في الخفاء، ويدخلهم في صراع مباشر مع السلطات.
منجم لكل فرد… أم لكل دولة؟
خلافًا للولايات المتحدة، حيث يحق للأفراد امتلاك حقوق استخراج المعادن، تُهيمن الدولة في معظم بلدان العالم على الموارد الطبيعية تحت الأرض. ومع غياب إطار قانوني يضمن للمنقبين الحرفيين مساحة من النشاط المشروع، يتحول هؤلاء إلى منقبين غير شرعيين، مطاردين بالقوة من قبل السلطات، مما يولّد موجات عنف متبادلة تشتدّ يومًا بعد يوم.
الذهب يصعد… والعنف أيضًا
منذ عام 2000، ارتفع سعر الذهب أكثر من ستة أضعاف، مدفوعًا بتوترات جيوسياسية، وتضخم عالمي، وتهافت البنوك المركزية على شراء الذهب كملاذ آمن. في هذا السياق، يزداد إقبال السكان المحليين على التنقيب الحرفي، سواء بدافع الربح أو كوسيلة للبقاء.
لكن هذا النشاط محفوف بالمخاطر. ففي ظل غياب التنظيم، تُستخدم مواد سامة كالزئبق والسيانيد لفصل الذهب، ما يعرّض حياة المنقبين والبيئة للخطر. ومنذ أسابيع فقط، أدى انهيار منجم غير قانوني في مالي إلى مصرع 48 شخصًا.
المنقبون في مواجهة الشركات العملاقة
تواجه الشركات الكبرى – متعددة الجنسيات أو الحكومية – تهديدًا وجوديًا من تنامي التعدين الحرفي، خصوصًا حين يتم في نفس المناطق التي تعمل فيها هذه الشركات. بعض الحالات شهدت تعاونًا بين الطرفين، كما في الكونغو، حيث تتورط شركات صينية في تشغيل مناجم غير مرخصة بالتواطؤ مع منقبين محليين. أما في جنوب إفريقيا، فقد رفضت الحكومة نهاية العام الماضي إنقاذ عمال عالقين في منجم غير قانوني، ما أسفر عن مقتل 87 شخصًا.
الذهب لتمويل الحروب أيضًا
في السودان، تتحكم الأطراف المتحاربة – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – في مناجم ذهب كبيرة، ويدرّ الذهب عليها تمويلًا مباشرًا لاستمرار الحرب. وتشير تقارير إلى تورط أطراف أجنبية، منها الإمارات وروسيا، في تمويل هذه العمليات عبر شبكات غير شرعية.
الحاجة إلى نهج جديد
رغم الأضرار البيئية والروابط المحتملة بين التعدين الحرفي والجريمة المنظمة أو الإرهاب، فإن استبعاده بالكامل من المعادلة ليس حلاً. بل إن غضب المجتمعات المحلية من تواطؤ الحكومات مع الشركات العالمية يدفعها لممارسة التعدين بوصفه “استردادًا للحق”.
الحل، بحسب الكاتب، هو إشراك المنقبين الحرفيين بشكل قانوني. ويشير إلى تجربة مالاوي، التي خصصت رخصًا صغيرة لهؤلاء المنقبين، ما ساهم في تقنين النشاط وتقليل الفوضى. وكذلك فعلت نيجيريا بمنح امتيازات نفطية محلية في دلتا النيجر، مما ساعد على تهدئة الصراعات.
التقنين سبيل للاستقرار والشفافية
تقنين التعدين الحرفي لا يقلل فقط من الصراعات، بل يعزز الشفافية، ويحدّ من تجارة “الذهب الملطخ بالدماء”، كما في حالة الكونغو. كما يتيح للدول معالجة قضايا الصحة العامة والتلوث، وفرض معايير بيئية أكثر صرامة، ويقلل من التوترات بين السلطات المركزية والمناطق المحلية.
الخلاصة: الذهب للجميع أم للمتنفذين فقط؟
إذا استمر تجاهل دور المنقبين الحرفيين، فإن الوضع مرشح لمزيد من الفوضى والعنف. أما إذا اختارت الدول طريق الشمول القانوني والتنظيم الذكي، فقد يتحول التعدين الحرفي من عبء أمني إلى مورد تنموي حقيقي – وأكثر عدالة.