علوم اجتماعية وانسانية

حين يصبح الاعتذار آليًا: كيف فقدت خدمة العملاء معناها؟

من الروبوتات إلى الردود الجوفاء: لماذا لم تعد الشكاوى تُحل

في زمن تتسارع فيه الابتكارات التقنية، تتراجع جودة خدمة العملاء بشكل لافت، مما يثير تساؤلات جدية حول أسباب هذا التدهور. أكثر من 75% من البريطانيين يقرّون بإحباطهم من ضعف مستوى الخدمة، في ظل اعتماد متزايد على روبوتات الدردشة التي تقدم وعودًا فارغة بدلاً من حلول حقيقية. أصبحت تجربة الانتظار الطويل على الهاتف، على أنغام موسيقى مكررة، جزءًا معتادًا من حياة العملاء، في مقابل ردود غير مفيدة وغياب لأي حس إنساني.

تقرير صادر عن مركز الأبحاث New Britain كشف أن 78% من العملاء يعانون من التوتر عند محاولة التواصل مع فرق الدعم، حيث يقضي الفرد العادي ما يصل إلى 41 دقيقة أسبوعيًا في هذه المعاناة. في ظل هذا الواقع، يُطرح السؤال الحتمي: هل ساءت الخدمة فعلاً، أم أن تطلعات العملاء ارتفعت في عصر السرعة والشفافية؟

الانتظار اللامتناهي: تجربة أصبحت مألوفة

المشهد بات مألوفًا: انتظار طويل على الهاتف تصاحبه موسيقى مزعجة من الثمانينات، وموظف خدمة عملاء يطلب منك أن “تنتظر 12 ساعة” تحسبًا لوصول طرد قد لا يصل أبدًا. في الواقع، تقرير لمركز الأبحاث New Britain كشف أن 78% من البريطانيين يعانون من الإحباط عند التواصل مع مراكز خدمة العملاء، فيما يقضي الفرد ما بين 28 و41 دقيقة أسبوعيًا في محاولة حل مشكلاته.

يقول الكمبيوتر لا. صورة: DjelicS/Getty Images

عقد من التدهور: الأرقام لا تكذب

وفقًا لمعهد خدمة العملاء البريطاني (UKICS)، فإن معدلات الرضا عن الخدمة سجلت أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات، حيث أبلغ 24% من المشاركين في استطلاع عام 2024 عن تجربة سيئة. أما مجموعة Which? فوجدت أن العملاء أضاعوا 27.3 مليون ساعة بسبب سوء الخدمة، بتكلفة تصل إلى 298 مليون جنيه إسترليني.

من الرد الآلي إلى الذكاء الاصطناعي: معاناة تتجدد بأدوات مختلفة

التحول الرقمي أضاف معاناة جديدة. الروبوتات الصوتية والدردشة الآلية لا تقدم سوى اعتذارات مكررة وجمل مبرمجة. في استطلاع أجرته شركة Verint، أفاد أكثر من ثلثي المشاركين بتجارب سيئة مع أنظمة الرد الآلي. بينما تشير Jo Causon، الرئيسة التنفيذية لـ UKICS، إلى أن الشركات الأكثر نجاحًا هي تلك التي “ترد على الهاتف أو البريد الإلكتروني وتستمع حقًا”.

قصص حقيقية تعكس الألم

من أم شابة أُجبرت على مغادرة شقتها لغياب التدفئة، إلى مراهق تُرك في محطة نائية بسبب قرار بيروقراطي، إلى بنك يصرّ على أن سيدة مسنّة “ميتة” ويرفض إعادة تنشيط حسابها — التجارب الشخصية تحوّلت من شكاوى إلى معاناة وجودية.

صُنِّفت الخطوط الجوية البريطانية كأسوأ شركة طيران من حيث رضا العملاء، وفقًا لتصنيف “ويتش؟”. الصورة: جيسون ألدن/بلومبرغ/جيتي إيماجز

التميّز ليس مستحيلاً: نماذج ناجحة ترفع السقف

شركة Timpson البريطانية أثبتت أن التمكين الوظيفي والثقة بالموظفين يمكن أن يغيّرا قواعد اللعبة. إذ يُسمح للموظفين بتقديم تعويضات تصل إلى 500 جنيه حسب تقديرهم. النتيجة؟ عملاء راضون، وموظفون سعداء.

أربع من أفضل خمس شركات من حيث رضا العملاء لا تخضع لملكية مساهمين. شركات مثل Starling Bank وJohn Lewis وMarks & Spencer (قسم الأغذية) تُظهر أن الاستثمار في رضا العملاء يؤتي ثماره عندما لا يكون الربح الفوري هو الهدف الأساسي.

العلامات الكبرى تتراجع: الربح على حساب العميل

من British Airways إلى BT، تتوالى الإخفاقات. شركات كانت تمثل معيار الجودة تحولت إلى رموز للتراجع. تقرير Ofcom الأخير صنّف EE كثاني أكثر شركة يتم التذمر منها، بينما جاءت BA في ذيل شركات الطيران في تصنيف Which?.

أما الشركات التي تحاول الهروب من ماضيها مثل Hermes (التي أعادت تسمية نفسها إلى Evri)، فإنها ما زالت تعاني من تقييمات متدنية رغم الاستثمارات في إعادة الترويج.

لقد تغيرت التكنولوجيا، لكن الغضب لا يزال قائمًا. رسم توضيحي: رايان جيليت/الغارديان

العملاء أسرى لخيارات محدودة

الأسوأ من سوء الخدمة هو غياب البديل. من مزودي الإنترنت إلى شركات السكك الحديدية والبلديات، لا يمتلك المستهلك دائمًا خيار “الانتقال إلى شركة أفضل”، ما يزيد من الإحباط ويمنح الشركات غطاءً للفشل المستمر.

 الأمل موجود، لكن الطريق طويل

على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية بتحسن في سرعة الردود وتعدد قنوات التواصل، فإن القصص التي تصل إلى الصحفيين مثل آنا تيمز تظهر أن الواقع لا يزال بعيدًا عن المثالية. الحل؟ الصبر، شاحن احتياطي، وربما وجبة خفيفة طويلة الأمد.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى