الإنسانية المبحرة نحو غزة : يبحر أسطول الصمود، حينما تفشل الدول.

يتحرك أسطول الصمود العالمي بالفعل . في أكثر من 50 سفينة ، و هي أكبر قافلة مساعدة مدنية متوجهة لغزة على الإطلاق ، أبحرت من موانئ حول أوروبا.
رسا جزء من الأسطول في تونس حيث رحب به الآلاف من الداعمين قبل التوجه للانضمام لبقية الأسطول . وقد حُدِد إبحاره من ميناء سيدي بوسعيد في سبتمبر متبوعًا بتأخيرات جوية و لوجستية . لن تكون مبالغة أن نطلق عليها المهمة الأجرأ في المجتمع المدني الإنساني في التاريخ الحديث ، مقررة أن تأخذ مكانها بجانب أبرز أفعال العصيان المدني اللاعنيف مثل مسيرة غاندي للملح.
أحضر الأسطول أشخاصًا من 44 دولة مع تنوع واسع من الخليفات . فمن بينهم نشطاء و فنانون و أطباء و سياسيون وصحفيون- بما فيهم ناشطة المناخ جريتا ثورنبرج – توحدوا تحت هدف عاجل : توصيل الدعم الإنساني الأساسي للفلسطينيين الذين ُحرموا عمدًا من كل وسائل البقاء لعامين تقريبًا .
يتضور مئات آلاف الأطفال جوعًا و الذين يحاولون أن يوصلوا مؤن هزيلة في مهمة مهددة للحياة بضربهم بالنار أثناء انتظارهم في طوابير .
فيسعى أسطول الصمود العالمي في ظل غياب فعل الدول، ليس فقط لإيصال المساعدات و فتح ممر إنساني ، و لكن للتأكيد على عدم قانونية حصار إسرائيل و شرعية كسره أيضًا .
حصار غير قانوني
عدم قانونية الحصار واضح مثل قانونية مهمة الأسطول . إنه الحق المعترف به دوليًا لاستقبال شعب غزة المساعدة الإنسانية من دون تدخل .
يصنف ميثاق روما للمحكمة العدل الدولية ” تجويع المواطنين بصفته أداة حرب” جريمة حرب” . تمنع اتفاقية جنيف العقاب الجماعي ، و يمنع البروتوكول الإضافي رقم 1 تجويع المواطنين بصفته أداة حرب .
علاوة على ذلك ، فإن تدمير ظروف الحياة عمدًا لتدمير مجموعة متضمنة للمجاعة التي يمكن أن ترتقي للإبادة الجماعية بموجب المادة 12 من اتفاقية الإبادة الجماعية .
يمنع القانون الدولي الحصار البحري الذي يؤذي المدنيين أو يجوع السكان أو يردع المساعدة الإنسانية – و كله مطبق في حالة حصار إسرائيل لغزة . و لهذا ، أدانته منظمات الأمم المتحدة و خبرائها مرارًا .
بمجرد أن اعترفت به محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري في يوليو 2024 ، فإسرائيل قوة احتلال في غزة . و نتيجة لذلك ، من اللازم، بكامل المدى من كل الوسائل ، توفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين.
بموجب البروتوكول الإضافي رقم 1 ، حتى في الصراع المسلح ، لا يمكن منع توصيل الاحتياجات الأساسية أو اعتبارها تدخل في الصراع أو تصرف غير ودي . يجب على أطراف صراع ما أن يسمحوا بممر لكل المساعدات حتى عندما توجه للسكان المحليين من الجانب المقابل .
الحق في الإبحار
لقد فشلت الأوامر الجازمة من محكمة العدل الدولية في ردع إسرائيل . ففي وجه قرارات الجمعية العامة و مجلس الأمن المتكررة بوقف أعمالها الإبادية ، لم تتبع بتنفيذ ذي معنى .لم تفشل الدول فحسب في التصرف رغم نهج إسرائيل من القواعد الحاسمة للقانون الدولي ، و لكن يمكن للعديد منها أن يعتبر مؤيدًا متواطئًا بدعمها المستمر .
فأينما فشل العمود الأساسي للمجتمع الدولي-الدول- فشلت ، يدخل المجتمع الدولي الانتقالي ، مكون آخر من المجتمع الدولي . فأسطول الصمود الدولي أوضح تعبير عن هذا التدخل .
لا يقدم القانون الدولي للبحار الحق لإسرائيل بالتدخل بقوة مع رحلة الأسطول .يضمن القانون الدولي الاعتيادي و اتفاقية الأمم المتحدة للبحار حرية الملاحة في البحار العالية .
فيونكلس “اتفاقية الأمم المتحدة للبحار”تسمح بالتدخل في حالات استثنائية -القرصنة أو تجارة العبيد أو تجارة غير مشروعة أو ما إذا كانت عديمة الجنسية. لا يقع أسطول الصمود بوضوح تحت أي من هذه الاستثناءات .
تأسس القانون الدولي على حماية المدنيين ،كما هو موضح في اتفاقيات جنيف. لذلك ، النشطاء على متن الأسطول معنيين بالحماية باعتبارهم غير مقاتلين.
لقد وضحت جلسات التدريب أن جميع المشاركين ملزمين بعدم العنف الصارم ، متعهدين بأن يظلوا سلبين حتى في وجه التدخل العنيف من البحرية الإسرائيلية .
يأتي هذا الموقف رغم النهاية المأساوية لماري مرمرة في 2010، حينما قتل تسعة مواطنين أتراك .
سعت إسرائيل لتبرير اتهامات ضد النشطاء ،و التي كانت غير موثقة بجدية من التحقيقيات المستقلة . لقد تكرر نفس الأمر مع أساطيل أخرى ، انهارت ادعاءات إسرائيلية بالفحص حين أثبت دليل العنف غير القانوني .
و الآن ، لقد هددت الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع المشاركين في الأسطول باعتبارهم “إرهابين” و احتجاز حاويتهم رغم مهمتهم غير العنيفة .
اختبار للضمير
آن الأوان لإسرائيل أن تقرر ما إذا ستطلق حلقة أخرى من العنف ضد إرادة المجتمع المدني العالمي الموحدة و تضيف طبقة أخرى من سجلها في انتهاكات القانون الدولي .
لقد أعطى الهجوم الحديث المشبوه بالمسيرات على الحاويات الراسية بتونس انطباعات قوية أنها منزلقة نحو الخيار الأول .
بينما فشلت أدوات إنفاذ القانون الدولي حتى الآن في ردع جرائم إسرائيل ، ابتكر القانون شيئًا حيويًا : الشرعية . فتلك الشرعية هي التي أيقظت الضمائر العالمية و حشدت التضامن مع الفلسطينيين و أدت مباشرة لهذا الأسطول التاريخي .
أوقعت إسرائيل نفسها في مواجهة معمقة مع الرأي العام العالمي باعتمادها المفرط على القوة الغاشمة .
فأي رد عنيف على أسطول الصمود العنيف سيضيق فقط هذا الفخ لإن أي فعل يؤكد أن موجات جديدة من الأسطول ستكمل لتصل شواطئ غزة.
المصدر : ميدل إيست آي .



