ترامب: الولايات المتحدة ليست ملزمة بمستوى إنفاق الناتو على الدفاع
ترامب يثير الجدل مجددًا: "لسنا ملزمين بإنفاق الناتو"... ومخاوف من تصدع التحالف

في تصريح مثير للجدل قبل أيام فقط من قمة حاسمة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة “لا ينبغي أن تلتزم” بنفس معايير الإنفاق الدفاعي التي يُطلب من بقية دول الناتو اتباعها. التصريح الذي جاء خلال حديثه مع الصحفيين في نيوجيرسي، يهدد بتأجيج التوترات مع الحلفاء الأوروبيين، خصوصًا مع اقتراب موعد اجتماع قادة 32 دولة عضوة في الحلف، الذي يُتوقع أن يشهد مناقشات حساسة حول أهداف الإنفاق العسكري وهيكل القوات المستقبلية.
موقف مزدوج: ادفعوا أنتم… لسنا ملزمين
لطالما طالب ترامب، خلال فترته الأولى والثانية في الرئاسة، بأن يرفع حلفاء الناتو إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو هدف يتجاوز بكثير السقف المتفق عليه سابقًا وهو 2%. لكن الجديد في تصريحاته الأخيرة أنه استثنى الولايات المتحدة من هذا المطلب، قائلًا:”لا أعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك، لكنني أعتقد أنهم يجب أن يفعلوا ذلك”،في إشارة إلى الدول الأوروبية. وبرر ذلك بالقول:”لقد دعمنا الناتو لفترة طويلة… لذا لا أرى أننا بحاجة إلى الوصول لهذا الرقم”.
ويُذكر أن الإنفاق الدفاعي الأمريكي حاليًا يقف عند 3.4% من الناتج المحلي.
قمة لاهاي: أهداف متباينة وصيغ توافقية
من المقرر أن تنطلق قمة الناتو الثلاثاء المقبل في لاهاي، بمشاركة قادة الدول الأعضاء لبحث الخطط المستقبلية المتعلقة بالإنفاق والدفاع الجماعي. ويبدو أن مطالب ترامب، التي فرضت نفسها على جدول الأعمال، دفعت بعض الأعضاء إلى اقتراح حل وسط. فبدلًا من الالتزام بنسبة 5%، طرحت دول الحلف فكرة تقسيم الإنفاق إلى 3.5% على الدفاع المباشر، و1.5% على البنية التحتية المحلية والأمن السيبراني — ما يُعتبر توسعة لمفهوم الدفاع ليشمل تهديدات غير تقليدية.
انقسام داخلي أمريكي حول موازنة الدفاع
رغم تصريح ترامب بعدم التزام الولايات المتحدة بهدف الـ5%، إلا أن ذلك لم يُرضِ غالبية الجمهوريين في الكونغرس، خاصة أولئك الداعمين للإنفاق العسكري المرتفع. السيناتور روجر ويكر (ميسيسيبي) والنائب مايك روجرز (ألاباما)، وهما رئيسا لجنتي القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب، عبّرا عن استيائهما من استمرار الميزانية الدفاعية على وضعها الراهن، باستثناء دفعة تمويلية استثنائية تم تضمينها في مشروع ضخم للإنفاق والضرائب. وكانا من أبرز الداعمين للوصول إلى نسبة 5%، ما يُعني فعليًا ميزانية دفاعية سنوية تصل إلى 1.4 تريليون دولار.
الحلفاء في أوروبا: استجابة حذرة ورفض صريح
حتى الآن، لم تعلن سوى أربع دول — بولندا، إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا — التزامها بهدف 5%. أما بقية الدول، فتبدو أكثر تحفظًا. الحكومة الإسبانية، التي تُعد من أقل دول الناتو إنفاقًا على الدفاع، رفضت تمامًا في رسالة رسمية الالتزام بهذا الهدف. الرسالة التي حصلت عليها Politico، وُجّهت من رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إلى الأمين العام الجديد للناتو، مارك روتيه، وأكدت أن مدريد “لا تستطيع التعهد بنسبة إنفاق محددة في هذه القمة”.
ألمانيا: الواقعية أولًا
من جهتها، تبنّت ألمانيا نهجًا أكثر توازنًا، إذ صرّح وزير دفاعها بوريس بيستوريوس هذا الشهر بأن برلين تسعى لإيجاد توازن بين “ما هو ضروري وما هو ممكن فعليًا”. وأضاف أن “مواصلة رفع الإنفاق العسكري بشكل غير مدروس قد يؤثر على أولويات وطنية أخرى”، ما يعكس تحفظًا أوروبيًا متزايدًا تجاه الأهداف الطموحة التي يطرحها ترامب.
وجهة نظر تحليلية: بين القيادة والازدواجية
يرى محللون أن موقف ترامب الأخير يعكس نمطًا متكرّرًا من سياسته الخارجية — يدعو الآخرين للقيام بالمزيد بينما يحد من التزامات بلاده. ويقول سيث جونز، رئيس برنامج الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إن إنفاق الولايات المتحدة الدفاعي الحالي كنسبة من الناتج المحلي هو الأدنى منذ الحرب الباردة، مضيفًا أن “موازنة ترامب الدفاعية تُعد أقل حتى من موازنة إدارة كارتر في السبعينيات”. وهو ما يُظهر أن الرئيس يطالب الآخرين بالتضحية بينما يتراجع داخليًا.
التداعيات السياسية المحتملة
قد لا تكون هذه التصريحات مجرد موقف تكتيكي تفاوضي. فمن جهة، يسعى ترامب إلى مخاطبة قاعدته السياسية بإظهار مواقف “أمريكا أولًا”، ومن جهة أخرى، يضغط على الحلفاء الأوروبيين لتحمل المزيد من الأعباء المالية. لكن الانعكاسات قد تكون معقدة؛ إذ يمكن أن تضعف هذه التصريحات موقف الولايات المتحدة كقائدة للتحالف، وتُغذي الانقسامات داخل الحلف في وقتٍ يشهد فيه العالم تحديات أمنية متزايدة، من روسيا إلى الشرق الأوسط.



