إسرائيل تطلق هجومًا بريًا في قلب مدينة غزة

أفادت صحيفة The Guardian البريطانية أن إسرائيل أطلقت صباح الثلاثاء هجومًا بريًا واسعًا داخل مدينة غزة، في خطوة عسكرية طال انتظارها أثارت جدلًا دوليًا واسعًا. وقد استخدمت القوات الإسرائيلية دبابات وآليات مدرعة يتم التحكم بها عن بعد ومحمّلة بالمتفجرات، متجاهلة بذلك تحذيرات المجتمع الدولي، فيما اتهمتها لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. وزير الدفاع الإسرائيلي أعلن أن “غزة تحترق” مؤكدًا أن العمليات ستستمر حتى تحقيق أهدافها. أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فشدد على أن الهدف هو “هزيمة العدو وإجلاء السكان”، دون أي ذكر لقضية الرهائن الإسرائيليين التي طالما كانت هدفًا معلنًا للحرب.
انقسام داخلي واحتجاجات عائلات الرهائن
في الداخل الإسرائيلي، تصاعد الغضب الشعبي مع خروج مظاهرات قرب مقر إقامة نتنياهو بالقدس. عائلات الرهائن ومؤيدوهم اتهموا الحكومة بالتخلي عن ذويهم، معتبرين أن أولويات القيادة تغيّرت نحو أهداف عسكرية أوسع بدل التركيز على تحرير المحتجزين. هذا المشهد يعكس أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة، ويزيد من الضغوط السياسية على نتنياهو الذي يواجه بالفعل اتهامات قضائية. في الوقت نفسه، أكد مسؤولون عسكريون أن القوات المشاركة تتقدم بشكل تدريجي ومدروس، مشيرين إلى أن العملية تهدف إلى تقويض قدرات حماس في قلب غزة، رغم المخاطر التي تهدد الجنود والمدنيين على حد سواء.
الأمم المتحدة: لا نية إسرائيلية للسلام
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرح بأن إسرائيل لا تظهر أي استعداد جاد لوقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات سياسية، معتبرًا أن استمرار الهجوم سيؤدي إلى عواقب مأساوية. تقرير لجنة التحقيق الأممية أشار بوضوح إلى أن ما يحدث في غزة يندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية وفق الاتفاقيات الدولية. الخارجية الإسرائيلية رفضت هذه الاتهامات ووصفتها بأنها “زائفة”، غير أن الضغوط الدولية تتزايد. وفي بروكسل، شددت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كايا كالاس على أن الهجوم سيؤدي إلى مزيد من القتلى والدمار، مؤكدة أن الاتحاد يناقش فرض إجراءات اقتصادية وسياسية ضد إسرائيل للضغط على حكومتها.
تكتيكات عسكرية جديدة وخسائر بشرية
أفادت تقارير عسكرية بأن جيش الاحتلال استخدم في هجومه ناقلات جنود قديمة جرى تحويلها إلى آليات مفخخة يتم التحكم بها عن بُعد، وتفجيرها قرب مواقع يشتبه بوجود عناصر من حماس فيها. الجيش أكد أن فرقتين عسكريتين تشاركان في التقدم داخل المدينة، بينما تقوم فرقة أخرى بمحاصرتها. ووفق وزارة الصحة في غزة، أدى القصف والاشتباكات خلال 24 ساعة فقط إلى مقتل 59 شخصًا وإصابة 386 آخرين، ليرتفع العدد الإجمالي للضحايا منذ بدء الحرب إلى نحو 65 ألفًا. ويخشى مراقبون أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير بسبب صعوبة الوصول إلى كثير من المناطق المنكوبة.

عزلة سياسية وضغوط اقتصادية متوقعة
تقرير الأمم المتحدة تزامن مع تصريحات من الاتحاد الأوروبي حول فرض عقوبات محتملة على وزراء متشددين وتعليق امتيازات تجارية لإسرائيل. كايا كالاس قالت إن مثل هذه الخطوات قد تمثل رسالة واضحة بأن استمرار الحرب مرفوض دوليًا. في المقابل، حاول نتنياهو تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لتحولات اقتصادية، مؤكدًا أن بلاده قد تضطر إلى الاعتماد على اقتصاد شبه مكتفٍ ذاتيًا في حال فقدان الشركاء التجاريين. هذه التصريحات اعتُبرت إقرارًا بالعزلة المتزايدة التي تواجهها إسرائيل نتيجة سياساتها في غزة، بينما يزداد القلق داخل الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية من التداعيات طويلة الأمد.
نزوح جماعي ومعاناة إنسانية قاسية
أعلنت الأمم المتحدة أن 140 ألف شخص نزحوا من غزة خلال الشهر الماضي فقط، مع استمرار أوامر الإخلاء الإسرائيلية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 40% من سكان المدينة غادروها بالفعل، بينما يعاني مئات الآلاف من انعدام المأوى الآمن. المتحدثة باسم “اليونيسف”، تيس إنغرام، وصفت الأوضاع بأنها “جحيم حقيقي”، محذرة من أن نصف مليون طفل يعيشون تحت تهديد دائم بعد أكثر من 700 يوم من الصراع المتواصل. إنغرام أكدت أن المدنيين يواجهون خيارين قاسيين: البقاء وسط الخطر أو النزوح نحو مناطق لا تقل خطورة، ما يعكس عمق الكارثة الإنسانية في القطاع.

دعم أمريكي ومواقف متباينة
الهجوم الإسرائيلي جاء عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي جدّد التزام واشنطن بدعم “ثابت” لتل أبيب. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد أن حركة حماس ستدفع “ثمنًا باهظًا” إذا استخدمت الرهائن كدروع بشرية أثناء العمليات. في المقابل، يرى منتقدو نتنياهو داخل إسرائيل أن استمرار الحرب يخدم مصالحه السياسية، إذ يمنحه الوقت لتأجيل الانتخابات والبقاء في السلطة، وبالتالي تفادي محاكمته في قضايا الفساد الجارية. هذا التباين بين الدعم الخارجي والجدل الداخلي يضع الحكومة الإسرائيلية أمام معادلة معقدة، تزيد من حدة الانقسام وتعمّق الأزمات السياسية والاجتماعية.
مستقبل مظلم يلوح في الأفق
بينما تتواصل العمليات العسكرية ويستمر النزوح الجماعي، تبدو غزة غارقة في أزمة إنسانية غير مسبوقة. الأوضاع على الأرض تزداد سوءًا مع غياب أي مؤشرات على وقف إطلاق النار أو بدء مفاوضات سلام. في المقابل، تواجه إسرائيل عزلة سياسية واقتصادية متنامية قد تنعكس بقوة على مستقبلها الداخلي والخارجي. المشهد الحالي يوحي بمزيد من المآسي للفلسطينيين، وبمخاطر استراتيجية لإسرائيل، في ظل استمرار نزيف الدماء وتراكم الدمار. ومع غياب الحلول السياسية، يخشى مراقبون أن يدخل الصراع مرحلة أشد تعقيدًا تهدد استقرار المنطقة بأسرها.



