اتفاق تاريخي بين أذربيجان وأرمينيا يمهد لعهد جديد من السلام
ترامب يرعى إعلانًا مشتركًا ينهي عقودًا من الصراع في القوقاز

في اجتماع تاريخي عُقد بالبيت الأبيض في 8 أغسطس/آب 2025، وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إعلانًا مشتركًا لإنهاء أحد أطول النزاعات وأشدها مرارة في التاريخ الحديث. ورغم أن الوثيقة ليست اتفاقية سلام رسمية، فإنها تمثل خطوة مهمة نحو إحلال السلام في جنوب القوقاز، المنطقة التي عانت عقودًا من العداء وسفك الدماء. وقد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استضاف اللقاء، الاتفاق بأنه لحظة محورية في الدبلوماسية، مؤكّدًا على وعد “السلام الدائم” بين البلدين.

دور الولايات المتحدة وترامب في الوساطة
لعبت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب دورًا محوريًا في تسهيل الحوار بين أرمينيا وأذربيجان. وعلى الرغم من توجهاته السابقة التي ركزت على سياسة “أمريكا أولًا” وتقليص التدخل الخارجي، سعى ترامب لإبراز نفسه كصانع سلام عالمي. هذه المرة، كانت جهوده مثمرة في جمع الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وهو ما اعتبره إنجازًا شخصيًا كبيرًا. شاركت إدارته في العديد من مساعي الوساطة الدولية، إلا أن هذا الاتفاق قد يكون من أكثرها تأثيرًا، إذ يفتح الباب لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لجنوب القوقاز.

عقود من الصراع تمهد لفرصة السلام
تعود جذور النزاع بين أرمينيا وأذربيجان إلى الخلافات حول إقليم ناغورنو كاراباخ، وهو صراع تسبب منذ أوائل التسعينيات في موجات متكررة من العنف والمعاناة الإنسانية. وقد بلغت التوترات ذروتها في حرب 2023 التي انتهت بسيطرة أذربيجان على الإقليم، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف وسقوط مئات الضحايا. يمثّل الاتفاق الجديد تحوّلًا جوهريًا في مسار العلاقة بين البلدين، رغم أنه لا يعالج جميع الملفات العالقة، مثل قضية السيادة على ناغورنو كاراباخ وحقوق الأرمن الذين نزحوا عام 2023. ومع ذلك، أبدى الزعيمان التزامهما بالبحث عن حل شامل، واعتبر علييف الاتفاق عهدًا لإنهاء “عقود من الصراع الدموي”.

ممر “طريق ترامب” للسلام والازدهار
يتضمن الاتفاق إنشاء ممر عبور يحمل اسم “طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين”، يمتد لمسافة 27 ميلًا ليربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية، ما يتيح لها منفذًا استراتيجيًا إلى تركيا، حليفتها الأهم. يمر هذا الطريق بمحاذاة الحدود الجنوبية لأرمينيا مع إيران، ويعد شريانًا اقتصاديًا لأذربيجان، لكنه يثير أيضًا مخاوف أرمينية تتعلق بالسيادة واحتمال زيادة النفوذ الأذربيجاني في المنطقة. وبينما ترى باكو في الممر مكسبًا اقتصاديًا وسياسيًا، تعتبره يريفان فرصةً لبدء مسار تطبيع مع أنقرة، رغم الهواجس بشأن تداعياته بعيدة المدى.

ملفات حقوق الإنسان والتحديات المستقبلية
رغم أجواء التفاؤل، تبقى ملفات حقوق الإنسان حجر عثرة أمام عملية السلام.فلم تُحل بعد قضية التهجير القسري لعشرات الآلاف من الأرمن عام 2023، إضافةً إلى مطالب أرمينيا بإطلاق سراح السجناء السياسيين وضمان حق العودة للنازحين. كما أن المشهد السياسي الداخلي في كلا البلدين سيؤثر بشكل مباشر على نجاح الاتفاق، إذ يواجه الزعيمان تحديات تتعلق بالمشاعر القومية المتجذرة، والتي قد تعرقل مسار المصالحة.

فصل جديد في تاريخ القوقاز
يمثل الإعلان المشترك الموقّع في البيت الأبيض محطة مفصلية في العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان. ورغم أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات، فإن الاتفاق يفتح الباب أمام تسوية طال انتظارها لنزاع دامٍ. ويشكل “مسار ترامب للسلام والازدهار الدوليين” خطوة عملية لتعزيز التعاون والنمو الاقتصادي في المنطقة. ومع متابعة أنظار العالم لما سيحدث، يبقى الرهان على قدرة البلدين على تجاوز الانقسامات وبناء مستقبل يسوده الاستقرار والاحترام المتبادل.