بعد ثلاثة أيام على رحيل البابا فرنسيس… السيسي يصفه بـ”صوت السلام والمحبة”
الزمن لا يُطفئ الحزن: العالم يواصل رثاء البابا فرنسيس بعد مرور 72 ساعة

في فجر يوم الإثنين، أُسدِل الستار على واحدة من أكثر الحَبْريّات تأثيرًا في العصر الحديث، برحيل البابا فرنسيس عن عمر يناهز 88 عامًا في روما، لينطفئ بذلك صوت عالمي جسّد الرحمة والعدالة على مدى اثني عشر عامًا من قيادة الكنيسة الكاثوليكية. ومنذ إعلان الوفاة، توافدت كلمات النعي والتأبين من عواصم العالم، مشيدةً بإرث رجل لم يكن مجرد زعيم ديني، بل رمزًا إنسانيًا تجاوزت رؤاه حدود العقيدة والجغرافيا. فقد تميز البابا الراحل بتواضعه العميق، وبقربه من المهمّشين، وبتصديه الجريء لقضايا العدالة الاجتماعية والمناخية، مما جعله في نظر كثيرين “ضمير العالم”. في وداعه، اتفقت أصوات الزعماء من مختلف الأديان والاتجاهات على أن فرنسيس لم يكن فقط راعيًا لأكثر من مليار كاثوليكي، بل رسولًا عالميًا للسلام والرحمة، رحل بجسده وبقيت رسالته حية.

صوت السلام وأب للفقراء
في نعيه المؤثر، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، البابا الراحل بأنه “رسول أمل وتواضع وإنسانية”، و”صوت عابر للحدود من أجل السلام والكرامة والعدالة الاجتماعية”. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فأشاد بإصرار البابا على الوقوف إلى جانب الأشد ضعفًا، وخصّه بعبارة تحمل وقع العزاء في زمن يعصف فيه العنف: “في زمن الحرب والوحشية، كان لديه شعور عميق بالآخر، خاصةً الأشد fragility”.
من جهتها، وصفت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، البابا فرنسيس بأنه “راعي عظيم”، وقالت: “وداعنا له محمّل بالحزن، فقدت صديقًا ومرشدًا لم يبخل علينا يوماً بالحكمة حتى في لحظات المرض”.

راعي العدالة البيئية والاجتماعية
ترك البابا فرنسيس بصمة واضحة على الساحة الدولية في الدفاع عن العدالة البيئية والاجتماعية، وهو ما أشار إليه رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، حين قال إن البابا “خلّف إرثًا عميقًا بالتزامه الصادق بقضايا العدالة والضعفاء”. في حين أشاد ملك إسبانيا فيليبي السادس بقدرة البابا على “إضفاء الطمأنينة على أرواح الفقراء”.
أما في أيرلندا، فقد اعتبر الرئيس مايكل هيغينز أن إدراك البابا لـ”الكرامة الجوهرية لكل إنسان” مكّنه من التصدي لقضايا شائكة مثل أزمة المناخ، والهجرة، وفضائح الاعتداء الجنسي داخل الكنيسة.
قديس التواضع والرحمة
في بولندا، أشار الرئيس أندجيه دودا إلى بساطة البابا وتواضعه، مذكّرًا بشعاره البابوي “نظر إليه برحمة واختاره”، مؤكدًا أنه كان “رسولًا عظيمًا للرحمة”. فيما وصف رئيس وزراء هولندا، ديك سخوف، حياة البابا بـ”نموذج يحتذى في البساطة والخدمة والتعاطف”.
وفي ألمانيا، عبّر المستشار أولاف شولتز عن حزنه لفقدان “مدافع عن الضعفاء”، بينما رأى الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير في البابا “منارة أمل” لأولئك الذين شعروا بأن العالم نسيهم.

رسول الحوار بين الأديان
لم تغب رسائل التعزية من قادة العالم غير الكاثوليكي، حيث عبّر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عن تقديره لإصرار البابا على تعزيز العلاقات بين الأديان، رغم التوترات السياسية الأخيرة حول الحرب في غزة. كما وصف رئيس وزراء نيوزيلندا، كريستوفر لوكسون، البابا بأنه “رجل متواضع” كرس حياته للعدالة والحوار بين الأديان.
وفي الفاتيكان، أتى التعليق الأميركي من نقيضين: من جهة، نشر الرئيس دونالد ترامب تعزية مقتضبة عبر منصته، أما الرئيس جو بايدن، الكاثوليكي الثاني في تاريخ الولايات المتحدة، فنعاه قائلاً: “لن يُنسى البابا فرنسيس كواحد من أكثر القادة تأثيراً في عصرنا. لقد جعلني شخصًا أفضل”.

مصالحة متأخرة… ورسائل خالدة
حتى الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، أحد أشد منتقدي البابا في السابق، عبّر عن “حزن عميق”، قائلاً: “رغم خلافاتنا التي تبدو اليوم تافهة، فإن معرفتي به كانت شرفًا عظيمًا”.
في المقابل، شدد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على دور البابا في إدانة الظلم المناخي والاقتصادي، ونعاه بوصفه “صوتًا لاحترام الآخر والقبول به”.
من كييف، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن البابا “عرف كيف يمنح الأمل ويخفف المعاناة بالصلاة”، فيما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “خادم مخلص للتعاليم المسيحية ومدافع ثابت عن القيم الإنسانية”.
كما عبّر قادة الهند ومصر والمملكة المتحدة عن عبارات إعجاب مماثلة، إذ وصفه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بـ”منارة التعاطف”، في حين نعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “صوتًا للسلام والمحبة”. أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فقال إن البابا “كان قريبًا من هشاشة الإنسان ومعاناة المهمشين”.

إرث روحي عابر للديانات
زعماء دينيون آخرون شاركوا أيضًا في نعي البابا، ومنهم رئيس أساقفة يورك، ستيفن كوتريل، الذي وصفه بـ”القديس البشري”، في حين قال جاستن ويلبي، رئيس الكنيسة الأنجليكانية السابق، إن البابا كان “مثالاً حيًا للتواضع وخدمة الفقراء منذ يومه الأول”.
من جانبه، تذكّر الزعيم الروحي للتيبت، الدالاي لاما، البابا الراحل قائلاً: “كرّس حياته لخدمة الآخرين، وكان مثالًا على البساطة والمعنى الحقيقي للحياة”.
حداد عالمي وغياب لا يُعوّض
في خضم الحزن العالمي، أعلنت دول كالأرجنتين والبرازيل وإسبانيا الحداد الوطني، فيما علّقت إيطاليا مباريات دوري الدرجة الأولى تخليدًا لذكراه في أحد الفصح.
لقد رحل البابا فرنسيس، ولكن ظله سيبقى طويلًا… صوتُ المحبة الذي علا فوق الضوضاء، وضمير العالم الذي لم يتخلَّ يوماً عن الضعفاء.