ترامب يعيد رسم خارطة التجارة العالمية: تحالفات متوترة تحت عباءة “حماية الاقتصاد”
رسوم جمركية على الحلفاء بدل الخصوم... هل تنقلب الاستراتيجية الأميركية على أهدافها؟

في بداية ولايته الثانية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب توقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع اليابان، إندونيسيا، والفلبين. الاتفاقيات، رغم أنها تبدو تعاوناً اقتصادياً، جاءت مشروطة بفرض رسوم جمركية مرتفعة: 19% على صادرات إندونيسيا والفلبين، و15% على اليابان. في المقابل، حصلت واشنطن على وعود “غير ملزمة” بدخول سلعها إلى تلك الأسواق.
عقوبات على الأصدقاء… لماذا؟
المثير للجدل أن هذه الرسوم لم تُفرض على خصوم تقليديين مثل الصين، بل على دول تُعتبر من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة. هذا التوجه يثير شكوكاً حقيقية حول منطق إدارة ترامب في بناء تحالفات اقتصادية تخدم الأمن الاستراتيجي الأميركي، خصوصاً في ظل سعي العالم إلى فصل سلاسل الإمداد عن النفوذ الصيني.
سلاح الرسوم الجمركية: رهان محفوف بالمخاطر
بدلاً من تنسيق الجهود مع الشركاء، تعتمد إدارة ترامب على سياسة “العصا بدل الجزرة”، وهو ما يُخيف بعض الدول من الارتماء أكثر في أحضان الصين أو قوى أخرى. هذا الانعكاس يعاكس تماماً الأهداف المعلنة للولايات المتحدة في تقوية جبهة اقتصادية بديلة في آسيا-المحيط الهادئ.
المستهلك الأميركي يدفع الثمن
الضرائب المفروضة لا تقف عند حدود التجارة الخارجية، بل تنعكس مباشرة على السوق الأميركية. ارتفاع الأسعار يشمل السيارات، الأجهزة الإلكترونية، وحتى مستلزمات الحياة اليومية. دراسة حديثة لجامعات أميركية بارزة أكدت أن الشركات الأميركية أكثر بخمس مرات عرضة للحديث عن آثار سلبية للرسوم مقارنة بأي مكاسب متوقعة.
أمن صناعي حيوي… ولكن دون استراتيجية واضحة
ترامب محق في التحذير من الاعتماد على الصين في المواد الحساسة، كالتي تُستخدم في الصناعات الدفاعية. إلا أن التصدي لهذا التحدي لا ينجح بفرض ضرائب عشوائية، بل يحتاج إلى بناء شراكات مع دول كاليابان وكندا وأستراليا لتشكيل بديل مستقر وآمن.
إضعاف التحالفات المتعددة: هل يعزل ترامب أميركا اقتصادياً؟
العودة إلى الاتفاقات الثنائية تعني التخلي عن استراتيجية الشراكات المتعددة الأطراف، مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، التي كانت تهدف لتأمين سلاسل الإمداد مع شبكة حلفاء. الانسحاب من هذه الاتفاقيات يعزل أميركا ويقلل من قدرتها على التأثير في سلاسل الإنتاج العالمية.
اليابان: الحليف المثالي الذي يواجه العقاب
اليابان، التي حققت تقدماً في تقليل اعتمادها على الصين في المواد الاستراتيجية، تُعد شريكاً نموذجياً لواشنطن. بدلاً من دعمها، تُعاقب برسوم جمركية قد تؤدي إلى توتر في العلاقات، ما يُشكل تهديداً طويل الأمد للأمن الاقتصادي والسياسي الأميركي في آسيا.
سياسة ترامب التجارية الجديدة تحمل تناقضات صارخة بين الخطاب والواقع. فبدلاً من بناء تحالفات اقتصادية قوية، يجري تقويض الثقة مع الحلفاء عبر إجراءات حمائية قد ترتد سلباً على الاقتصاد الأميركي والعالمي.
أقرأ أيضاً:
ميتا في مواجهة أوروبا: معركة الشفافية والإعلانات السياسية تشتعل