«انتخابات مصيرية».. القبارصة الأتراك أمام خيار بين السلام أو الانقسام النهائي

تتجه أنظار العالم اليوم إلى شمال قبرص، حيث يخوض القبارصة الأتراك انتخابات رئاسية حاسمة ستحدد مصير الجزيرة المقسمة منذ أكثر من نصف قرن. فالأمر لا يقتصر على اختيار رئيس جديد، بل يتعلق بمستقبل التسوية السياسية بين شطري الجزيرة، وما إذا كانت ستعود إلى طاولة المفاوضات أم ستغلق نهائيًا. ويصوّت أكثر من 218 ألف ناخب في منطقة لا تعترف بها سوى تركيا، وسط انقسام حاد بين من يريد تعزيز ارتباط الشمال بأنقرة ومن يطمح لإعادة التوحيد في إطار فيدرالي برعاية الأمم المتحدة. وبين طموح السلام وضغوط الجغرافيا السياسية، يجد القبارصة الأتراك أنفسهم أمام مفترق تاريخي جديد سيحدد علاقتهم بالعالم ومصير الجزيرة كلها.
سباق بين رؤيتين متناقضتين
تشهد الانتخابات تنافسًا حادًا بين الرئيس القومي الحالي أرسين تتار، الذي يدافع عن حل يقوم على دولتين مستقلتين، ومنافسه اليساري المخضرم توفان أرهورمان، الداعي إلى استئناف محادثات السلام لإقامة اتحاد فيدرالي بين الشمال والجنوب. ورغم وجود سبعة مرشحين، إلا أن المنافسة الحقيقية تنحصر بين الرجلين، نظرًا لتاريخهما الطويل في الحياة السياسية وتباين موقفيهما من دور تركيا في الجزيرة. وتُظهر استطلاعات الرأي تقاربًا كبيرًا في نسب التأييد، ما قد يدفع نحو جولة إعادة الأسبوع المقبل إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة. وبالنسبة للناخبين، لا يتعلق الخيار بشخصية الرئيس بقدر ما يعكس رؤيتهم لمستقبل العلاقة مع أنقرة والمجتمع الدولي.
نصف قرن من الانقسام والتوتر
منذ عام 1974، تعيش قبرص على وقع انقسام عرقي عميق أعقب التدخل العسكري التركي ردًا على انقلاب نفّذه قوميون يونانيون سعوا لتوحيد الجزيرة مع اليونان. ومنذ ذلك الحين، بات الشمال خاضعًا لسيطرة أنقرة التي نشرت فيه نحو 45 ألف جندي، وأعلنت قيام «جمهورية شمال قبرص التركية» التي لا تعترف بها سوى تركيا. أما الجنوب، ذي الأغلبية اليونانية، فهو الجزء المعترف به دوليًا وعضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004. ورغم محاولات عديدة لإحياء المفاوضات، فإن الفجوة بين الجانبين تتعمق مع مرور الوقت، ما جعل الجزيرة ساحة دائمة للصراع بين المصالح الإقليمية في شرق المتوسط.
بين الفيدرالية والانفصال النهائي
قبل ساعات من التصويت، أكد تتار أن أي حل فيدرالي سيكون “فخًا لتدمير جمهورية شمال قبرص وطرد تركيا من الجزيرة والسيطرة على شرق المتوسط”، مشددًا على تمسكه بخيار الدولتين. في المقابل، يرى أنصار أرهورمان أن استمرار الجمود سيزيد عزلة الشمال، وأن الحل الفيدرالي يمثل الطريق الوحيد لإنهاء الانقسام وفتح أبواب التعاون مع الاتحاد الأوروبي. ويقول النائب المعارض سامي أوزوسلو من المنطقة العازلة في نيقوسيا: “لا يمكننا إضاعة خمس سنوات أخرى، هذه الانتخابات ستغير كل شيء”. وهكذا، يقف الناخبون أمام خيارين متناقضين بين الانغلاق والانفتاح، بين الحفاظ على الوضع القائم والمجازفة من أجل المصالحة.
بين عزلة الشمال وحلم الاندماج
رغم انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، لم تمتد مزايا العضوية إلى الشمال الذي يعيش عزلة سياسية واقتصادية خانقة. وتبقى حركة المرور اليومية عبر المعابر رمزًا هشًا للتواصل بين الجانبين، حيث يعبر آلاف القبارصة الأتراك يوميًا إلى الجنوب للعمل في ظروف أفضل. ومع تصاعد المنافسة الإقليمية على الغاز في شرق المتوسط، تكتسب هذه الانتخابات بُعدًا يتجاوز حدود الجزيرة، إذ يتوقف عليها اتجاه العلاقات بين أنقرة وبروكسل. فالنتيجة المنتظرة لن تحدد فقط هوية الرئيس القادم، بل ما إذا كانت قبرص ستعود إلى طريق السلام والمصالحة، أو ستكرّس واقع الانقسام القائم منذ نصف قرن.



