تقارير التسلح

روسيا تكشف «سارما».. قاذفة صواريخ ذكية تجمع بين الدقة والمرونة

كشفت روسيا عن منظومة إطلاق صواريخ متعددة جديدة اسمها «سارما» على شاسيه مدرّع من طراز KamAZ-63501، في عرض نظمته شركة موتوفيليخا بحضور الرئيس فلاديمير بوتين. تمثل «سارما» تطورًا عمليًا في نهج التحديث الروسي: جمع بين صواريخ عيار 300 مم موجهة ودقة محسنة، وشاسيه خفيف الحركة يمكنه الانتشار السريع وإعادة التموضع. هذا المزيج يمنح القادة مزيجًا من القدرة على الضرب الدقيق والمرونة الميدانية، مع تنازلات في حجم الذخيرة والقدرة على التشبع. الأثر العملي سيعتمد على توفر الذخائر الموجهة، وبنيتها اللوجستية، وإجراءات العدو المضادة مثل التشويش والحرب المضادة للمدفعية، ما يجعل واقع الأداء في الميدان مرهونًا بعوامل تشغيلية ولوجستية متشابكة.

 

مواصفات تقنية ووظائف أساسية

 

تأتي «سارما» بصواريخ عيار 300 مم موجهة، وستة أنابيب إطلاق، ومدى معلن يتراوح بين 20 و90 كيلومترًا، مع قدرة على إطلاق التشكيل الكامل في أقل من 19 ثانية. تركيب النظام على شاسيه KamAZ-63501 يمنحه قدرة حركة أمام التضاريس ومرونة نشر أعلى مقارنة بالمنصات الأثقل. الدقة المذكورة تقارب 0.21%، ما يشير إلى توجه واضح نحو الضربات الموجّهة ذات القيمة العالية بدلًا من الطلقات الزاخرة التقليدية. هذه الخصائص تجعل «سارما» مناسبة للهجمات المنظمة ضد بنى تحتية محددة ونقاط قيادية، طالما توفرت الذخائر الموجّهة وأنظمة الإطلاق المساندة.

 

مقارنة مع «سمرتش» وتطوّر التصميم

 

تُقرأ «سارما» كنسخة مصغرة ومحدثة من منظومات مثل «سمرتش» السوفييتية الشهيرة؛ إذ تقلل من عدد الأنابيب من 12 إلى 6 وتستبدل منصات ثقيلة بشاحنة مدرعة أكثر قابلية للحركة. هذا التحوّل يعكس تفضيلًا تكتيكيًا للانتشار السريع والقدرة على «الطلقة وانطلق» بدلاً من الاعتماد على تراكم ناري كثيف. بالمقابل، تنخفض القدرة على إحداث تشبع ناري واسع النطاق، ما يفرض تعديل التكتيكات لتضم دعمًا ناريًا متكررًا أو تكتيكات نشر مجموعية لتحقيق التأثير المطلوب على ساحات الصراع.

 

فلسفة التطوير والإنتاجية الصناعية

 

تعكس ولادة «سارما» نهجًا روسيًا عمليًا: تحديث تصاميم قديمة بإضافة توجيه إلكتروني وتطوير منصات أخف لتقليل وقت الإنتاج والتكلفة. الاعتماد على شاسيه شاحنات معروف يسهل عملية التصنيع والصيانة ويزيد من إمكانات التصدير المحتملة. هذا النهج يوفّر للسوق العسكرية منتجًا أقل تكلفة من المنظومات الثقيلة، مع ميزة مرونة التشغيل. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الذخائر الموجّهة وإلكترونيات توجيه متقدمة قد يرفع التكلفة التشغيلية لكل طلقة ويستدعي بنى لوجستية متقدمة للحفاظ على جاهزية المنظومة.

 

الاعتبارات التكتيكية والقيود الميدانية

 

تُمكّن دقة الصواريخ الموجّهة «سارما» من مهاجمة أهداف عالية القيمة ببصمة أقل من الهدر الناري، لكنها تتطلب توفر بيانات استطلاع دقيقة وربطًا جيدًا بأنظمة الاستخبارات والقيادة. الشاسيه الخفيف يعزز قابلية الحركة والنجاة من ضربات المضادة قصيرة الأمد، لكنه أقل حماية أمام نيران موجهة أو الطائرات المسيرة. من ناحية أخرى، تقليل حمولة الذخيرة يعني الاعتماد على عمليات إعادة تزويد متكررة أو انتشار مجموعات منصات لخلق تأثير تكتيكي مماثل لتشبع ناري أكبر.

 

أثرها المحتمل على ساحات القتال وسوق التصدير

 

في ساحات نزاع كثيفة الاستخدام للمدفعية، قد ترفع «سارما» من فعالية الضربات الدقيقة والقدرة على الاستهداف الانتقائي، ما يخفض الخسائر الجانبية ويزيد من مرونة القيادة. على صعيد التصدير، قد تجذب المنظومة دولًا تبحث عن حلول متحركة ودقيقة دون تكلفة منصات أثقل، خاصة إن أثبتت جدواها التشغيلية ووفرتها مصانعها بكميات مناسبة. مع ذلك، تأثيرها الاستراتيجي النهائي مرتبط بمدى توفر الذخيرة الموجّهة ونجاعة الإجراءات المضادة لدى الخصم، إضافة إلى عامل التكلفة الإجمالية للامتلاك والتشغيل.

 

نقاط ضعف وفرص المضادة واللوجستيات

 

تتضمن نقاط الضعف الحاجة لذخائر موجّهة باهظة الثمن، وحساسية للّهجوم الإلكتروني أو التشويش الذي قد يؤثر على التوجيه، إضافة إلى تعرض الشاسيه الخفيف أمام نيران دقيقة. مضادات ممكنة تشمل التشويش على أنظمة الملاحة، الحرب المضادة للمدفعية التي تكشف مواقع الإطلاق، واستهداف الشيلدات اللوجستية لقطع إمداد الذخائر. لذلك، تصبح فعالية «سارما» مرهونة ببنية دعم قوية، وقدرة على حماية إلكترونية، وإجراءات تمويه وتحرك تقلل من فرص كشفها والتعامل معها قبل أو بعد الإطلاق.

 

تداعيات مستقبلية وتقييم استراتيجي

 

تجسّد «سارما» اتجاهًا تكتيكيًا واضحًا: تعزيز الضربات الموجّهة والمرونة الحركية عبر تحديث الإرث السوفييتي بدلًا من استنساخ أنظمة أضخم. إذا نجحت موسكو في تأمين سلسلة إنتاج ولوجستيات فعّالة للذخيرة الموجّهة، فقد ترى المنظومة حضورًا أوسع في تشكيلات الصواريخ والمدفعية وتفوز بطلبات تصديرية. بالمقابل، قدرة الخصوم على التشويش، الاستطلاع المضاد، وتكثيف إجراءات الحرب المضادة ستقيد من تأثيرها. إذًا الواقع الميداني سيحدد إن كانت «سارما» مجرد تحسّن تكتيكي أم عنصر يغير من قواعد التعامل المدفعي في النزاعات الحديثة.

اقرأ أيضاً

صربيا تستعرض أنظمة “كراسوخا” الروسية للحرب الإلكترونية: رسالة عسكرية تتجاوز حدود الاستعراضية 

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى